لكل السوريين

المكتبة الوطنية في حلب.. ثروة علمية وأدبية

حلب/ خالد الحسين 

تعتبر المكتبة الوطنية في حلب من أهم المعالم والأوابد التاريخية في المدينة ، ولهذه المكتبة في وجدان الحلبيين حيز كبير من الذكريات بما مر عليها من شخصيات ثقافية وفنية كبيرة وبما تتضمنه مكتبتها من ثروة هائلة من الكتب. تزيد على 100 ألف كتاب وتحمل دار الكتب الوطنية تاريخا عريقا، وهو جزء لا يتجزأ من تاريخ المدينة. عام1937، وبرعاية الأمير مصطفى الشهابي الذي كان يشغل منصب محافظ حلب، انتقلت الدار من خان الجمرك إلى مكانها الحالي بمنطقة باب الفرج مقابل الساعة الشهيرة وكان مسؤولاً عنها الشيخ كامل الغزي، الذي حمل معه 6000 كتاب من المقر القديم. تم الانتهاء من بناء مقر المكتبة الجديد في عام 1939 لكنها لم تفتح أبوابها حتى عام 1945 بسبب الحرب العالمية الثانية، لتصبح مركزا لبحوث المثقفين من أبناء حلب وشقيقة المكتبة الظاهرية في دمشق وهي من أقدم مكتبات بلاد الشام وأهمها. ولشغف أبناء حلب بالعلم، اعتاد مثقفوها تقديم الكتب إلى الدار إما في حياتهم أو بعد مماتهم.

تداور على إدارة دار الكتب أدباء ومفكرون أمثال الشاعر الكبير عمر أبو ريشة، الذي سميت إحدى قاعاتها باسمه فيما بعد، وسامي كيالي وعلي الزيبق. وطيلة تلك السنوات زارها وحاضر في قاعاتها الكثير من المفكرين والأدباء أمثال محمد حسنين هيكل وعباس محمود العقاد وميخائيل نعيمة.

وتسلم إدارة دار الكتب الوطنية خلال فترة الازمة السورية وأدارها في أقصى الظروف صعوبة محمد حجازي.

الذي يوضح في حديث صحفي أن المنطقة التي تقع فيها الدار كانت منطقة اشتباك ومع ذلك لم يتخلَّ موظفوها عنها باذلين أقصى الجهود للمحافظة على محتوياتها، ولا سيما مخزن الكتب فيها الذي يحوي على نحو 100 ألف كتاب، هذه الكتب التي تُعد ثروة حقيقية.. من هنا وبتوجيهات من مدير الثقافة في حلب تم إغلاق كافة النوافذ في مخزن الكتب وتصفيح بعض المناطق الضعيفة في جدرانها بالصفائح المعدنية لحماية مخزن الكتب ، وقد حالت الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الإدارة دون فقدان أي كتاب على عكس كل الإشاعات التي تحدثت عن تعرضها للحرق والتخريب، في حين أن كتبا قليلة جدا تعرضت للفقدان بعد أن تمت إعارتها خارجيا.

ويشير “حجازي” إلى أن الدار فقدت العديد من موظفيها خلال الحرب بسبب التهجير أو السفر أو الوفاة، ولم يبق في الدار إلا نحو عشرة موظفين من أصل أربعين.

ونوه “حجازي” إلى أنه في العام 1930 بدأ التفكير بمشروع إنشاء دار الكتب الوطنية، وقد تم إنشاؤها في مكان آخر تحت مسمى المجمع العلمي، وفي العام 1937 تقرر نقلها إلى المكان الحالي، وقد تأخر افتتاح الدار نتيجة الاحتلال الفرنسي الذي اتخذ من هذا المكان قاعدة عسكرية ومقراً له.. وفي العام 1945 افتتحت الدار وتناوب على إدارتها كبار أدباء حلب كالشيخ كامل الغزي والشاعر عمر أبو ريشة.

وأشار حجازي إلى أن الدار تحتوي على طابقين: البهو السفلي ويحتوي على مسرح وغرفة استقبال وبعض الغرف الأخرى كالديوان، في حين يحتوي الطابق الثاني على مخزن الكتب الذي يضم 100 ألف كتاب وقاعة مطالعة للدارسين، وقاعة أخرى لطلبة الدراسات العليا والمسماة قاعة عمر أبو ريشة إلى جانب غرف الإدارة.

وعلى الرغم من صغر المكتبة مقارنةً بالمكتبات العربية والعالمية، إلا أن الدار تُعتَبَر من أهم المكتبات لما تحتويه من أمهات الكتب الأدبية والتاريخية والفلسفية والعلمية والدراسات ومختلف أنواع العلوم، ونوه مدير الدار إلى أن الكثير من الأساتذة والجامعيين كانوا يقيمون في الدار ونالوا من خلالها شهادات عليا بعد مطالعتهم للكتب الموجودة فيها، وما زال طلبة الجامعة على الرغم من وجود مكتبة في الجامعة يرتادون الدار لحاجتهم للكثير من الكتب الموجودة فيها. وعن نظام الإعارة في المكتبة أوضح حجازي أن الإعارة كانت داخلية وخارجية، أما اليوم فأُلغيت الإعارة الخارجية حرصا على الكتب من الفقدان.

مشيرا الى ان المكتبة كانت تقدم حق الاستعارات الداخلية والخارجية، إذ يُسمح لأيِّ شخصٍ أن يقرأ الكتاب الذي يرغب به سواءً للمطالعة الخاصة أو لضرورات البحث الأدبي أو العلمي، وذلك ضمن نظام الإعارة من دار الكتب الوطنية ودون قيد أو شرط، بموجب ورقة استعارة تربط بها هوية المطالع ويدوَّن بالورقة اسم الكتاب ورقمه، وتوقَّع حسب الأصول. وبعد إعادة الكتاب تسلَّم الهوية للمستعير.

أما الإعارة الخارجية فكانت تتم حصرا عن طريق اشتراك مقابل مبلغ مادي زهيد كتأمين على الكتاب، علما أن هذا المبلغ يمكن استرداده في الوقت الذي يحب المشترك. ويمكن تجديد الإعارة إن لم يكن الكتاب مطلوبا من شخص آخر، علما أنَّ الكتب التي لا يمكن إعارتها خارج الدار هي المراجع والكتب المطلوبة لحلقات البحث والقديمة والتراثية والقواميس والمعاجم والأجزاء. وكما ذكرنا هناك ثلاث قاعات للمطالعة، الأولى منهما قاعة المطالعة العامة (خير الدين الأسدي)، وتَّتسع لحوالي 250 شخصا.

والثانية قاعة الدراسات العليا (عمر أبو ريشة)، وهي مخصَّصة للمؤلفين وطلاب الدراسات العليا والصحفيين وحاملي الإجازة الجامعية، وتَّتسع لحوالي 50 شخصا. وقاعة المحاضرات (سناء محيدلي)، وهي مخصَّصة للمحاضرات والندوات والنشاطات المسرحية، وتَّتسع لحوالي 300 شخصا.

هذا وما زالت مكتبة حلب تواكب الثورة الإلكترونية والتكنلوجية الحاصلة وتحتفظ بأكثر من ١٠٠ ألف كتاب.