لكل السوريين

المرأة حرة… رسالة من ملتقى الفن التشكيلي في مدينة الطبقة

تحاول الفنانة التشكيلية نالين تمو، القادمة من مدينة كوباني، أن تنحت تمثالاً يجسد أدق ملامح وجه امرأة شرقية، وتضفي عليه مشاعر القوة والكرامة، لتطلق عليه اسماً معبّراً “المرأة حرة”. لم يكن هذا التمثال مجرد عمل فني عابر، بل جاء محمّلاً برؤية عميقة تتجاوز الإطار الجمالي، لتبلغ إطاراً أوسع يمتد إلى السياسة والهوية الاجتماعية والكرامة الإنسانية.

توضح نالين، في حديث لصحيفة السوري، أنها اختارت وجه المرأة الحرة لتقدمه في ملتقى الفن التشكيلي الخامس في مدينة الطبقة، لما يحمله من رمزية قوية تعبّر عن نضال المرأة السورية المستمر من أجل الحرية والعدالة. وترى أن هذا النضال قد دخل مرحلة جديدة، تُضاف إلى مسيرة طويلة من التحدي والصمود خاضتها النساء السوريات عبر السنوات الماضية، دفاعاً عن حقوقهن وسعياً للحفاظ على ما تحقق من مكاسب.

وقالت، إن المرأة في سوريا وخاصة في شمال وشرق البلاد، أثبتت نفسها شريكة فاعلة في مختلف المجالات، من ميادين القتال إلى مواقع صنع القرار السياسي، وصولاً إلى الإدارة المجتمعية. إن صوت المرأة السورية لم يعد صوتاً هامشياً، بل أصبح جزءاً أساسياً في رسم ملامح سوريا الجديدة.

وترى نالين أن ما تحقق من مكاسب لن يضيع، رغم كل التحديات، مؤكدةً أن المرأة السورية ستواصل النضال من أجل ضمان حقوقها، حتى في مواجهة أي سلطة تسعى لتضييق دورها أو تحجيم طموحاتها. وتضيف بثقة: “لن تقف المرأة مكتوفة الأيدي أمام أي محاولات لإقصائها أو تهميشها، لأنها أصبحت تدرك تمامًا حجم قوتها ومكانتها في المجتمع”.

ويأتي هذا العمل الفني في سياق ثقافي واجتماعي حساس، حيث تشهد سوريا تحولات كبرى بعد سقوط النظام السابق في الثامن من كانون الأول الماضي. فقد بدأت سلطة دمشق الجديدة في التضييق على التمثيل النسوي في مؤسسات الدولة ومراكز القرار، في تراجع واضح عن التقدم النسبي الذي كانت النساء قد حققنه في مراحل سابقة.

ونقلت وسائل إعلام سورية وعربية تصريحات من مسؤولين في سلطة دمشق يبررون إقصاء النساء عن المناصب العليا بذريعة ما وصفوه بـ”الطبيعة الخاصة للمرأة والمهام الأسرية المنوطة بها”، وهو خطاب يعيد إلى الأذهان أنماطاً تقليدية من التفكير لا تتماشى مع تطلعات سوريا الحديثة.

وفي مواجهة هذا التراجع، شهدت سوريا خلال الأشهر الأخيرة سلسلة من الفعاليات الثقافية والفنية التي أكدت على أهمية الحفاظ على علمانية الدولة ورفض أي نظام حكم يقوم على أسس طائفية أو تمييزية. واعتبر منظمو تلك الفعاليات أن خلاص سوريا من أزمتها الممتدة لا يمكن أن يتم دون مشاركة كافة مكوناتها، وعلى رأسها النساء، في عملية البناء وإعادة الإعمار.

من جانب آخر، عبّرت عدة دول أوروبية عن رفضها القاطع لسياسات الإقصاء، ودعت إلى إشراك جميع الفئات والمكونات السورية، بما في ذلك النساء، في صياغة مستقبل البلاد. كما ربطت هذه الدول بين تخلي سلطة دمشق عن عقلية التهميش وبين إمكانية رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا منذ عهد النظام السابق.

“المرأة حرة” ليست مجرد منحوتة حجرية، بل هي صرخة فنية تعبّر عن حلم مشترك تنشده نساء سوريا، حلم بمجتمع تسوده المساواة والعدالة، وتُصان فيه كرامة الإنسان بغض النظر عن جنسه أو خلفيته أو معتقده.