طرطوس/ اـ ن
تنتشر البسطات العشوائية بشكل كثيف وملحوظ في شوارع وأرصفة مدينة طرطوس ومدنها التابعة كبانياس وصافيتا والقدموس والدريكيش والشيخ بدر، وصولاً إلى الأوتسترادات والطرقات العامة، ما تسبب في إعاقة حركة المشاة والمركبات، وتشويه الصورة البصرية والعمرانية للمدن، وسط تقاعس الجهات المعنية عن معالجة هذه الظاهرة التي تتفاقم منذ سنوات دون حلول جذرية.
ويعود مشهد إشغال الأرصفة بالباعة الجوالين إلى سنوات سابقة، إلا أنه عاد إلى الواجهة اليوم بزخم كبير، حيث تحولت الأرصفة إلى أسواق متكاملة تضم مختلف أنواع البضائع: من الأطعمة والألبسة المستعملة والسلع المنزلية، إلى المواد الغذائية والحبوب الجافة وأدوات المطبخ البلاستيكية والزجاجية، فضلاً عن عربات الخضار المتنقلة المنتشرة دون ترخيص أو تنسيق مع البلديات، ودون أن يدفع أصحابها أي رسوم إشغال قانونية.
وفي هذا السياق، صرّح المهندس منهل ياسين، من بلدية طرطوس، أن البلدية خصصت مؤخراً مساحة فارغة لتجميع البسطات العشوائية وفرض رسوم أسبوعية على إشغالها، بحسب المساحة التي تحتلها، وذلك كخطوة أولى لتنظيمها قبل نقلها إلى سوق مخصص لهذه الأنشطة. وأوضح ياسين أن بسطات الخضار ستواصل دفع رسوم إشغال حتى نهاية العام، على أن يتم نقلها لاحقاً إلى الموقع البديل.
كما أشار إلى أن إشغالات الأرصفة من قبل المحال المرخصة تخضع للرقابة البلدية، حيث تُنظَّم محاضر ضبط بحق المخالفين وتُوجَّه إنذارات متكررة، في حين تسير دوريات ميدانية لضبط التجاوزات، رغم محدودية الموارد.
لكن الواقع على الأرض يبدو مغايراً، إذ يلاحظ المواطنون فوضى كبيرة في الأسواق وغياباً شبه تام للتنظيم. فقد تحولت شوارع المدن خلال الأشهر الأربعة الماضية إلى “بسطة ضخمة”، بحسب تعبير السكان، بعد أن تم افتراش الأرصفة وحتى الشوارع بالبضائع، في بعض المناطق إلى حد لم يعد يترك للمشاة متسعاً للمرور.
وتؤكد أمينة، وهي إحدى سكان المدينة، أن الإقبال الكبير على البسطات مردّه الفارق الكبير في الأسعار مقارنة بالمحال التجارية، حيث تباع ثلاث علب سردين بـ13 ألف ليرة، وعلبة مرتديلا كبيرة بـ12 ألفاً، وعلبة حلاوة صغيرة بـ7 آلاف، وكيلو الحمص بـ10 آلاف، والأرز بـ9 آلاف، وكيلو السكر بـ7 آلاف، وتباع دزينة كاسات الشاي بـ12 ألفاً فقط. وأضافت أن هذا الفارق أجبر أصحاب المحال على تخفيض أسعارهم لمجاراة بائعي البسطات.
ورغم ذلك، حذرت أمينة من أن العديد من السلع المعروضة على هذه البسطات غير صالحة للاستهلاك، أو مجهولة المصدر، ودعت إلى ضرورة تشديد الرقابة الصحية على الأغذية والمواد الحساسة، ومراقبة تواريخ الإنتاج والصلاحية.
ويقرّ مسؤولو بلديات المحافظة بأن السوق الشعبي الذي تم تخصيصه للبسطات بحاجة إلى تأهيل كامل من حيث البنية التحتية، وإعادة استثماره ليكون ملاذاً دائماً للبائعين، بعيداً عن الأرصفة العامة. كما يجري التخطيط لتأهيل الأسواق في كل المدن وتأمين خطوط نقل وسرافيس لتمكين المواطنين من الوصول إليها بسهولة، ما يتيح نقل كافة البسطات النظامية والمخالفة إلى مواقعها الجديدة، وضمان إبقاء الأرصفة والشوارع خالية من الإشغالات.
لكن، وبحسب متابعين للشأن المحلي، فإن تنفيذ هذه الخطة يصطدم بعقبات عدة، أبرزها ضعف الموارد والإمكانيات، وغياب الإرادة الإدارية الصارمة، وتداخل الصلاحيات بين المؤسسات المحلية، مما أدى إلى استمرار التمدد غير المنظم للبسطات.
وتعاني مدن طرطوس، بحسب الأهالي، من حالة فوضى سوقية واضحة، تتجلى ليس فقط في عشوائية البسطات، بل في غياب الرقابة الجمركية وتفشي البضائع التركية والمهربة والمجهولة المصدر، لا سيما في المواد الغذائية التي يُشكك في صلاحية بعضها.
ويحذر مراقبون من أن استمرار هذه الفوضى يهدد صحة السكان، ويقوّض فرص التعافي الاقتصادي، كما يضرب الإنتاج المحلي الذي بات يعاني من منافسة غير عادلة. وقد طالبوا الجهات التابعة للحكومة السورية الانتقالية والسلطات المحلية بضرورة التحرك الفوري لتنظيم الأنشطة التجارية والصناعية في المنطقة، وإعادة فرض هيبة القانون في الأسواق.
من جهتهم، يرى السكان أن المسؤولية تقع بالدرجة الأولى على وحدات الإدارة المحلية، التي لم تُظهر الجدية المطلوبة في ضبط الأسواق، رغم الشكاوى المتكررة، فيما يأمل كثيرون أن تساهم خطط تنظيم الأسواق في تحسين الواقع الخدمي، خاصة مع اقتراب موسم عودة المغتربين والاصطياف، إذ لا يليق بمدينة كطرطوس أن تستقبل ضيوفها بهذه الصورة الفوضوية.