لكل السوريين

من جديد.. اللامركزية والاستبداد

انعام نيوف

ينصب جزء من نقاش اللامركزية على: قضيتي التنمية، والحقوق السياسية لدى عموم السكان، وان تأثير اللامركزية على الحكم كان سلبيا بشكل عام، حيث ان اللامركزية أوجدت ظروفًا لانعدام الاستقرار، وتجدد العنف في المستقبل لأنها لا توفر مساحة للمشاركة الشعبية، بينما تجعل السلطة قادرة دائما على اختراق المجتمع، وتوسع سيطرتها عليه، عدا عن وهم المشاركة الشعبية والتي دائما تؤدي الى الفوضى، ويبدو أن طبيعة اللامركزية كفيلة بتعزيز انتشار وقوة السلطة، من خلال الحفاظ على هياكل السلطة من الأعلى إلى الأسفل، لن تسفر اللامركزية عن مسار مضمون لمحاسبة السلطات حال تقصيرها، غالبا ما يتم تحليل اللامركزية على أنها مجرد: توزيع وتنظيم، أن طبيعة اللامركزية ربما ستكون متقدمة في المجالين الإداري والمالي ولكنها محدودة سياسيا، وتعزز انتشار وقوة السلطة، من خلال الحفاظ على هياكل السلطة من أعلى إلى أسفل.

وان الربط بشدة بين اللامركزية والانعدام المحتمل للاستقرار قد تكون حقيقة معيارا متقدما أو مستعجلا، فاللامركزية لها فوائد ملموسة من حيث تقديم الخدمات، والتنمية الاقتصادية المحلية، مع سيترك الباب مفتوحا أمام الآثار الضارة فيما يتعلق بالحكم والنظام السياسي، في حين سيكون الضغط من أعلى إلى أسفل على المسؤولين وربما بالإكراه من أجل تنفيذ السياسة المقترحة مركزيا.

أن قضية الاستبداد السياسي لا صلة لها ابدا باللامركزية، فهي قضية أوسع تتعلق بطبيعة النظام السياسي، وأن الدولة إذا بقيت مركزية على جميع الصعد سيبقى الوضع سيئا على جميع الصعد، لكن ببساطة العنف الهيكلي من قبل الدولة لا يحتاج إلى بنية لا مركزية، لكن الأفضل هو اصلاح نموذج الإدارة المحلية، أقول إصلاحه فقط، جميع التسميات لا تعني شيئا، لا مركزية إدارية او سياسية او اقتصادية، او نموذج متطور من الإدارة المحلية، ان التحول إلى اللامركزية سيلعب دورا أساسيا في تعزيز التنمية وتوزيعها على مختلف مناطق البلاد، كما سيعزز التنسيق بين المسؤولين المحليين، وسيخلق جوا تنافسيا، برغم أن تأثير اللامركزية في الحد من البطالة والفقر ورفع معدلات النمو، يكون مخيبا للآمال في كثير من الأحيان، وستبقى التفاوتات الطبقية حاضرة في البلاد ربما سيشهد مستوى تقديم الخدمات الصحية  والتعليمية  والبنية التحتية والمياه والبيئية والخدمية, تحسينات كبيرة، وربما سيطرأ تنمية على القطاع الخاص، والحماية الاجتماعية، والرياضة، والثقافة. حيث تعتبر الوحدات الإدارية الرئيسة المسؤولة عن تقديم الخدمات، والإشراف على المدارس، والمراكز الصحية، ستتولى الحكومة المركزية أيضا تمكين القوى العاملة المحلية (بمن في ذلك موظفو/ات الحكومات المحلية) كي تتمكن من الوفاء بولايتها الوظيفية، سيظهر التزاما حقيقيا بتمكين الوحدات المحلية، دون ان تظهر الحكومة المركزية تقصيرا أو ترددا، في منح الادارات المحلية الموارد الكافية، و تصير الخدمات في متناول السكان بالفعل، ولم تعد هناك حاجة للسفر إلى دمشق أو حتى إلى مراكز المدن, كما في الماضي للحصول على وثائق، أو نحو ذلك من الخدمات.

مع كل قدرات المتفاوتة للوحدات المحلية، لكنها ستبقى أشبه بأدوات تنفيذ وتخديم كبيرة، وسيبقى دورها في التخطيط محدودا، إذ يحتفظ المركز بمعظم السلطة لتقرير الأهداف التي يجب أن تحققها الإدارات المحلية التي تتمتع بسلطة تقديرية محدودة بشأن استخدام الأموال، في حين ستبقى تحويلات الحكومة المركزية تأتي في شكل أموال مخصصة لأنشطة محددة معروفة، تتعلق أساسا بتقديم الخدمات.

تمتلك المناطق هوامش كبيرة لجهة تشييد البنية التحتية، مثل بناء المدارس، وتتمتع الوحدات المحلية بحرية تقرير ما ستبنيه، وأين تبنيه، باستخدام كتلة رأس المال الخاصة بها، كما تظل حرة في تحديد إنفاق ما تجمعه من إيرادات محلية. وتتزامن تطبيق اللامركزية مع تعزيز قاعدة للحوكمة موجهة نحو النتائج، وكانت الأداة الرئيسة لذلك هي عقد أداء الإدارات المحلية، وهي أداة لتحقيق تطلعات التنمية الوطنية، وإن المعيار هو التزامات تم التعهد بها بين السيد الرئيس وبين الوزارات والمجالس والمقاطعات، وتقييم مدى التنفيذ كل عام، ويعتبر معدل اﻷداء المرتفع لرؤساء البلديات شهادة على أهمية الأداء بوصفه معيارا في عملية تناوب السياسيين، وبقائهم في الواجهة السياسية والاجتماعية، وهذا المعيار (الذي ينتج عنه ضغط حقيقي من أعلى إلى أدنى) يحمل جانبين متضادين: الإيجابي أنه سيخلق في البلاد ثقافة إنجاز الأشياء التي ستغلغل في أجهزة الدولة، وفي قطاعات مثل الصحة والتعليم، وستساهم هذه الثقافة في تغيير وتعديل توجهات وأفكار المسؤولين المحليين وتوجيهها نحو النتائج.

أما الجانب السلبي فأنه ربما سيوجد حوافز ضارة، لتنفيذ صارم، سيصبح تركيز المسؤولين المحليين منصبا على الوصول إلى الأهداف المحددة بدقة من قبل المركز، بدلاً من التركيز على تلبية احتياجات السكان المحليين.

وتتمثل الآلية الثالثة التي تدعم اللامركزية من خلالها التنمية الاقتصادية وتقديم الخدمات، في: تعزيز تنسيق خدمات الدولة على المستويات المختلفة.

لن يتم نقل المسؤوليات ببساطة من الوزارات التنفيذية إلى المكاتب المحلية، ويتم حل مشكلات العمل الجماعي المرتبطة بتقديم الخدمات.

تدفع الإدارات المحلية رواتب العاملين والعاملات في قطاعات الطب والتمريض والتعليم، وتشرف على المراكز الصحية والمستشفيات والمدارس، وكل ما يرتبط بها، وفي اللامركزية، يلعب تأثير التنسيق، دورا كاملا، وتتنج التنمية بشكل مشترك مع السكان، إذ تتمتع الإدارات المحلية بقدرة أفضل على إشراك السكان في إنتاج الخدمات والبنية التحتية، أما في غياب اللامركزية، فقد يعيق التنسيق بين السلطات المحلية المسؤولة عن تعبئة السكان، وبين الوزارات التنفيذية، ويؤدي إلى نقص وتأخر، أو تراجع الخدمات، وضعف المشاركة الأهلية في عملية إنتاجها.

أهمية النقاش في مسألتي التحول إلى اللامركزية، ومكافحة الفساد بالنسبة لنا في سوريا لا تخفى على أحد، ومع تجدد الحديث بين وقت وآخر عن ضرورات التحول إلى اللامركزية في سوريا المستقبلية، وسط انقسام الآراء بين متحمس، ومتحفظ