طرطوس/ اـ ن
أثارت ارتفاع أسعار الأسمدة في المصارف الزراعية بطرطوس مقارنة بأسعار القطاع الخاص تساؤلات عديدة حول آلية التسعير السابقة والعقود المبرمة مع الموردين. ففي ظل بيئة إنتاج زراعي تواجه ضغوطاً كبيرة، فإن تحميل المزارع فارق السعر، ولو بشكل غير مباشر، يزيد من تكاليف الإنتاج ويعرضه لاحتمالات الخسارة، خاصة مع غياب دعم تسويقي مستقر لمنتجاته. وبذلك، فإن تخفيض الأسعار لوحده لا يكفي ما لم يرافقه إصلاح جذري في آلية الشراء من الموردين.
ويؤكد المتابعون على ضرورة أن تضمن العقود مع الشركات الموردة للأسمدة أسعاراً عادلة وقابلة للمراجعة الدورية لتجنب تحميل المزارع نتائج تفاوت السوق وضعف التفاوض.
وفي هذا السياق، تشير مصادر في المصرف الزراعي بطرطوس إلى توجهات لتخفيض أسعار الأسمدة لتقترب من أسعار السوق، إضافة إلى سعي المصرف للحصول على موافقة المصرف المركزي للتعامل بالدولار، استجابة لمطالب عدد من المتعاملين.
رغم ما تبدو عليه هذه الخطوات من إيجابية على الصعيد الظاهري، تكشف قراءة متأنية للتفاصيل أبعاداً اقتصادية أعمق قد لا تصب بالكامل في مصلحة الفلاحين، خصوصاً في المرحلة التي تلت سقوط النظام.
ويحمل موضوع التعامل بالدولار وجهين مختلفين، فمن جهة قد يمكّن ذلك المصارف الزراعية من تسهيل التعاملات مع الموردين المحليين والدوليين وضمان توفر المواد الزراعية، لكن من جهة أخرى قد يفتح المجال لتحقيق هوامش ربح إضافية للمستوردين والتجار، على حساب استقرار العمليات النقدية داخل البلد.
ويبدو واضحاً أن المتعاملين الذين يُراد تلبية طلباتهم هم الموردون والتجار أكثر من المزارعين، إذ إن المزارع يتقاضى مستحقاته بالليرة ولا يتعامل بالدولار لا بيعاً ولا شراء. ومن هنا، فإن السماح بالتعامل بالدولار دون ضوابط دقيقة أو سياسة سعر صرف واضحة قد يحمل المصرف فروقات خسارة ناجمة عن تقلبات السوق، خصوصا في حال عدم توازن التدفقات الداخلة والخارجة بالعملات الأجنبية.
وتؤكد مصادر مصرفية في طرطوس أن ما تقوم به المصارف الزراعية من توفير للبذور والأسمدة بنظام البيع إلى أجل دون فوائد، وصرف القروض للفلاحين، يعد دوراً محورياً في دعم القطاع الزراعي في المحافظة.
غير أن تحقيق أثر فعلي ومستدام لهذه الخطوات يتطلب أن تترافق مع إصلاح شامل في السياسات التعاقدية والتسعيرية، إضافة إلى رقابة مصرفية حذرة في حال السماح بالتعامل بالدولار، حتى لا تتحول المرونة إلى استغلال لصالح فئة محدودة من المتعاملين.
وفي الختام، يؤكد خبراء اقتصاديون أن تخفيض أسعار الأسمدة خطوة مرحب بها لكنها يجب أن لا تكون مجرد تصحيح مؤقت، بل بداية لإصلاح آلية التوريد بالكامل.
أما مسألة التعامل بالدولار فينبغي أن تُدرس بعمق ضمن سياسة نقدية واضحة تحافظ على التوازن بين مصلحة الفلاح والمصرف، دون أن تُستغل لتحقيق أرباح على حساب الاقتصاد الزراعي الوطني.