تقرير/ مرجانة إسماعيل
تواجه سوريا تراجعاً حاداً في التحويلات المالية القادمة من المغتربين، في وقت تعتبر فيه هذه التحويلات شريان حياة أساسياً لملايين الأسر داخل البلاد. ووفق بيانات حديثة، بلغ حجم التحويلات خلال عام 2024 نحو 1.8 مليار دولار، وهو ما يمثل المصدر الرئيسي للدخل لنحو 5 ملايين سوري، أي ما يعادل ربع السكان المتبقين في البلاد.
وتكتسب هذه التحويلات أهمية استثنائية خلال المواسم والأعياد، حيث وصلت قيمتها اليومية خلال عيد الأضحى إلى ما بين 7 و15 مليون دولار. ومع ذلك، تعاني الأسر المستفيدة من تآكل هذه المبالغ بسبب الفارق الكبير بين سعر الصرف الرسمي والسوق الموازية، بالإضافة إلى العمولات المرتفعة التي تفرضها شركات التحويل والصرافة.
ويكشف هذا التراجع – الذي يصل إلى 40% مقارنة بذروة التحويلات في سنوات الحرب – عن تحول جذري في بنية الاقتصاد السوري، الذي بات يعتمد بشكل متزايد على التدفقات المالية الخارجية بدلاً من الإنتاج المحلي. وتُعزى أسباب هذا الانخفاض جزئياً إلى تغير سياسات دول اللجوء، التي استبدلت المساعدات النقدية بنظام القسائم الشرائية، ما قلّص من حجم الأموال المرسلة إلى الداخل السوري.
ويأتي ذلك في وقت تشهد فيه الأسواق المحلية موجة تضخم حادة، إذ ارتفعت الأسعار بنسبة 20% خلال الأشهر الأخيرة. وتجد العائلات التي كانت تعتمد على 200 دولار شهرياً لتغطية نفقاتها الأساسية، نفسها عاجزة عن تأمين حتى نصف احتياجاتها بنفس المبلغ.
التحويلات المصرفية الرسمية باتت أقل جاذبية، حيث يتجه كثير من السوريين إلى القنوات غير الرسمية هرباً من التعقيدات الإدارية وسوء إدارة سعر الصرف. ومع ذلك، شهدت الفترة الأخيرة تحسناً نسبياً بعد تخفيف القيود على التعامل بالعملات الأجنبية، ما أدى إلى انخفاض متوسط العمولات إلى نحو 5% مقارنة بـ15% سابقاً.
لكن، ورغم هذا التحسن المحدود، تبقى التحديات كبيرة. فمع استمرار تدهور القطاعات الإنتاجية وتراجع حجم المساعدات الدولية، تصبح التحويلات المالية الوسيلة شبه الوحيدة لإنقاذ الأسر من الفقر المدقع. ويُحذر خبراء الاقتصاد من أن استمرار تراجع هذه التحويلات قد يدفع بملايين السوريين نحو حافة المجاعة، في ظل غياب أي بدائل اقتصادية فاعلة.
ويبدو أن الحكومة نفسها باتت تعتمد على هذه الأموال للحفاظ على الحد الأدنى من الاستقرار الاقتصادي. وفي ظل انعدام حلول جذرية، تبقى البلاد عالقة في حلقة مفرغة قد تفضي إلى انهيار اجتماعي يفوق في خطورته تداعيات الحرب ذاتها.