لكل السوريين

في اليوم العالمي للقضاء على الفقر؛ ٩٠٪ من السوريين تحت خط الفقر

حاوره/مجد محمد

يحتفل العالم في ١٧ تشرين الأول/أكتوبر من كل عام، باليوم العالمي للقضاء على الفقر، وذلك منذ أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة بموجب القرار ٤٧/١٩٦، الذي اعتمدته بتاريخ ٢٢ كانون الثاني/يناير ١٩٩٢، السابع عشر من أكتوبر، يوماً دولياً للقضاء على الفقر.

وعن الفقر يوجد الكثير من الأحكام والمواعظ وكذلك الأحاديث الدينية، وهذه بعض الأبيات للشافعي عن الفقر:

يمشي الفقيرُ وكلُّ شيءٍ ضِدَّهُ * والناسُ تغلقُ دونهُ أبوابَها

وتراهُ مبغوضاً وليسَ بِمُذنبٍ * ويرى العداوةَ لا يرى أسبابَها

حتى الكلابَ إذا رأت ذا ثروةٍ * خضعت لديهِ وحرَّكَتْ أذنابَها

وإذا رأت يوماً فقيراً عابراً * نَبَحَتْ عليهِ وكَشَّرَتْ أنيابَها

وللحديث عن هذه الظاهرة، أسبابها ونتائجها ويومها العالمي وغيرها، عقدت صحيفتنا لقاءاً مطولاً مع الحقوقي نوفل السيد والعامل في مركز تلاقي للتنمية المستدامة ودار الحوار التالي:

*أستاذ نوفل مرحباً بك بداية، الفقر ظاهرة واسعة وقاهرة، الأمر الذي دفع الأمم المتحدة لتخصيص يوم دولي للاحتفال بالقضاء عليه، ما اسباب هذه الاحتفالية؟

أهلاً بك، يرجع تاريخ الاحتفال باليوم الدولي للقضاء على الفقر إلى يوم ١٧ اكتوبر من عام ١٩٨٧، ففي ذلك اليوم اجتمع ما يزيد على مائة ألف شخص تكريماً لضحايا الفقر المدقع والعنف والجوع، وذلك في ساحة تروكاديرو بباريس، التي وقع بها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام ١٩٤٨، وقد أعلنوا أن الفقر يشكل انتهاكاً لحقوق الإنسان وأكدوا الحاجة إلى التضافر بغية كفالة احترام تلك الحقوق، وقد نقشت تلك الآراء على النصب التذكاري الذي رفع عنه الستار ذلك اليوم

*دعنا الآن من اليوم العالمي، الفقر يختلف من مكان لآخر، برأيك ما هي أسباب الفقر؟

بالتأكيد، الفقر يختلف من مكان لآخر، فمن يعد فقيراً في بقعة جغرافية معينة يعد غنياً بالنسبة لبقعة جغرافية أخرى، فمن أسباب الفقر في منطقتنا أعتقد هو انتشار الفساد وسوء السلطة وانتشار الجرائم والفوضى وانتشار المادية والعادات والتقاليد ونقص فرص العمل والبطالة والنزاعات والأزمات الطبيعية كالنزاعات المسلحة والحروب وكذلك الجفاف والفيضانات والكوارث الطبيعية، وكذلك الفوارق الاقتصادية والاجتماعية عززت الفقر في منطقتنا فليس هناك تكافؤ في توزيع الفرص والمردود المادي وايضاً تدني الأجور الذي يعتبر من أهم وأبرز أسباب الفقر، وأسباب أخرى كثيرة تختلف من عائلة إلى أخرى ومن شخص إلى آخر مثل ضعف التعليم والحالة الصحية والتمييز العنصري وحجم وعدد أفراد الأسرة وأسباب غيرها كثيرة.

*وعن آثار الفقر للأسف بتنا نراها بشكل يومي في مجتمعنا بكثرة، ماذا عنها؟

بالتأكيد للفقر آثار كثيرة في عدة مستويات ومنها الصحة والاقتصاد والمجتمع وحتى في التعليم، فالفقر يؤثر في الاقتصاد لأنه يؤدي سوء التغذية الناتج عن الفقر الشديد إلى تدهور صحة الفرد الجسدية والذهنية، ويتسبب له بأمراض قد تمنعه من ممارسة أنشطة العمل اللازمة، فينتج عن ذلك نقص في عدد القوى العاملة التي تشكل مصدراً للإنتاج وتساعد على رفع الإنتاجية، وكذلك في الصحة بسبب عجز الغالبية من ارتياد عيادات الأطباء وكذلك الخضوع للعمليات الجراحية اللازمة بسبب العجز في دفع تكاليفها الباهظة، وأثره على التعليم أيضاً نراه بأعيننا في الشوارع من كثرة عدد المتسولين الأطفال الذين تركوا مقاعد الدراسة وكذلك عمالة الأطفال لتأمين مصاريف أو المساعدة في مصروف العائلة، هذا كله ناهيك عن الآثار النفسية والاجتماعية وغيرها من عدم تحقيق الذات واحتقارها وقد يصل الأمر أحيانا إلى الانتحار.

*هل الفقر على أنواع؟ وكيف يتم تمييز مستويات هذه الأنواع؟

بالتأكيد، هناك فقر مطلق وهو النقص الكلي في جميع متطلبات الحياة الأساسية، وعدم القدرة على الحصول على الطعام، والملبس، والمأوى، وهناك أيضاً الفقر النسبي ويختلف هذا النوع من مكان إلى آخر باختلاف الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية التي يعيش فيها الإنسان، ويتمثل بافتقار الفرد إلى الموارد اللازمة لتلبية الحد الأدنى من مستويات المعيشة في المجتمع الذي يعيش به، وكذلك الفقر الجماعي وهو نقصان الموارد الأساسية في نطاق واسع، ويصيب هذا النوع مجتمعاً بأكمله، أو مجموعة كبيرة من الناس التي تعيش في ذلك المجتمع، ويشار إلى أن الفقر الجماعي يستمر مدة زمنية طويلة قد تمتد عبر الأجيال، وأيضاً الفقر الدوري وهو الفقر الذي يحدث في مدة محددة، وينتشر على نطاق واسع، ويرتبط بأحداث خاصة في المجتمع، مثل: الحرب، أو الركود والانهيار الاقتصادي.

*كحقوقي، ألا ترى أن الفقر ينتهك حقوق الإنسان المنصوص عليها في الميثاق العالمي؟

نعم للأسف، قد يكون الفقر المدقع سبباً من أسباب انتهاكات محددة لحقوق الإنسان، لأن الفقراء يجبرون مثلاً على العمل في بيئات غير آمنة وغير صحية، وفي الوقت نفسه، قد يأتي الفقر أيضاً نتيجة لانتهاكات حقوق الإنسان، عندما يكون الأطفال غير قادرين مثلاً على التحرر من أغلال الفقر لأن الدولة لا توفر لهم الوصول الملائم إلى التعليم، فلا ينبغي أن ينظر إلى القضاء على الفقر المدقع على أنه مسألة إحسان وفعل خير، بل على أنه قضية ملحة من قضايا حقوق الإنسان. فاستمرار الفقر في البلدان التي تستطيع القضاء عليه يرقى إلى مستوى انتهاك واضح لحقوق الإنسان الأساسية.

*ختاماً، الفقر في سوريا، المجال مفتوح لك..

في سوريا تحول الأمر إلى كارثة حقيقية، فالوضع فيها بات لا يحتمل فجميع السوريين تحولوا من مستوى الفقر العام إلى الفقر المدقع، الاقتصاد السوري وصل إلى أدنى مستوياته منذ اندلاع الأزمة قبل نحو ١٢ عاماً، مع تصاعد التضخم وتهاوي قيمة الليرة السورية، ففي آخر تقرير للصليب الأحمر جاء فيه، إن ٩٠٪ من السوريين يعيشون اليوم تحت خط الفقر و ١٥ مليون شخص بحاجة إلى مساعدات إنسانية، فعلى المجتمع الدولي أن يواجه الحقيقة الصعبة التي تؤكد أن الوضع في سوريا لا يحتمل، وأن عدم التحرك سيترك تداعيات خطيرة على جميع المعنيين، وسيعيق أي احتمالات للتوصل إلى تعاف مستدام، فسوريا اليوم باتت بأمس الحاجة إلى استجابة إنسانية شاملة أكثر بكثير من قبل.