لكل السوريين

الحرب على غزة.. بداية التحول في الموقف الدولي والهروب من إسرائيل

تحقيق/ لطفي توفيق

من المرجح أن يغير طوفان الأقصى الوضع في إسرائيل بشكل جذري، ويجرها إلى حرب ستكون لها آثار عميقة على الحياة فيها خلال العقود المقبلة.

وتشير كل الاحتمالات إلى أن الغزو البري لغزة قد يحدث في أي وقت، حيث حشد الاحتلال الإسرائيلي عشرات الآلاف من جنوده على حدودها، وقال لهم وزير دفاعه “أنتم ترون غزة الآن من بعيد، وقريبا سترونها من الداخل، الأمر سيصدر”.

ورغم ازدواجية المعايير الأميركية والغربية في التعامل مع القضية الفلسطينية، فقد بدأ تحول شعبي بهذه الدول يميل إلى التعاطف معها، بما يشير إلى بداية تغيير في النظام العالمي الحالي.

فبعد أن عاد الرئيس الأميركي من زيارته لإسرائيل التي تعهد فيها بتقديم كل ما تحتاجه من دعم عسكري واستخباراتي ومالي لإنجاز مهمتها للقضاء على حماس، واجه انتقادات عديدة لأنه يرى ما يحدث في الأراضي الفلسطينية المحتلة إرهاباً، بينما يرى قتال الأوكرانيين من أجل الحرية وتحرير الأرض.

وكشف استطلاع رأي أميركي جديد أن الناخبين الجمهوريين فقط هم الذين ما زالوا يوافقون على إرسال الأسلحة والذخائر إلى حكومة إسرائيل المتطرفة، بينما يرفض بقية الأميركيين ذلك.

كما خرجت عشرات التظاهرات والفعاليات الاحتجاجية في عدة مدن أوروبية تنديداً بالعدوان الإسرائيلي على غزة، وتنادى المتظاهرون في شتى أنحاء العالم عبر مواقع التواصل لدعم المقاومة الفلسطينية، وخاصة بعد مجزرة مستشفى المعمداني التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي.

مجزرة المعمداني

أصبحت أروقة وساحات مستشفيات قطاع غزة بشماله وجنوبه، ملجأ لآلاف العائلات التي كانت تأمل تجنب القصف الإسرائيلي المتواصل، ولكن مجزرة المستشفى المعمداني التي سقط فيها أكثر من خمسمئة شهيد أغلبهم من النساء والأطفال، حوّلت آمال الفارين من جحيم الحرب إلى مجموعة من المآسي الجديدة.

وحوّل القصف الإسرائيلي المستشفى إلى ساحة لأكبر مجزرة في تاريخ قطاع غزة، حيث أحال المئات من المرضى والنازحين إلى أشلاء مبعثرة، ووصف شهود الوضع بالكارثي والمرعب.

وفي مستشفى ناصر في خان يونس نصبت مئات العائلات الخيام والسواتر لتأوي أطفالها.

وفي مستشفى الشفاء بغزة اضطروا لافتراش الأرض لعلاج الإصابات الناتجة عن القصف الهمجي لقوات الاحتلال، وامتلأت ساحة المستشفى بمئات العائلات التي تنام على الأرض رغم انخفاض درجات الحرارة في الليل، بينما ينام آخرون في السيارات، حسب الوكالات الصحفية.

وقالت منظمة الصحة العالمية بالأراضي الفلسطينية المحتلة إن المستشفيات في قطاع غزة على وشك الانهيار، “الأروقة مكتظة بأشخاص يبحثون بطريقة يائسة عن مأوى آمن، والعدد يزداد”.

وأضافت “هناك أكثر من ثلاثين ألف شخص لجأوا لمستشفى الشفاء في مدينة غزة وحده”.

مجزرة الكنيسة

شنّت قوات الاحتلال الإسرائيلي غارة على كنيسة الروم الأرثوذكس وسط مدينة غزة، مما أسفر عن سقوط العديد من الشهداء وإصابة العشرات من الفلسطينيين الذين احتموا بالكنيسة.

وأصدرت بطريركية الروم الأرثوذكس في القدس بياناً استنكرت فيه هذا القصف الإسرائيلي، ووصفته بجريمة حرب.

وقالت إن “استهداف الكنائس والمؤسسات التابعة لها، بالإضافة إلى الملاجئ التي توفّرها لحماية المواطنين الأبرياء، خاصة الأطفال والنساء الذين فقدوا منازلهم جراء القصف الإسرائيلي للمناطق السَكَنية، يشكل جريمة حرب لا يمكن تجاهلها”.

وفي السياق، قالت اللجنة الرئاسية العليا لمتابعة شؤون الكنائس في فلسطين، إن استهداف أحد مباني كنيسة القديس برفيريوس في قطاع غزة جريمة حرب، تضاف لسلسلة جرائم الاحتلال المتواصلة تجاه المدنيين الفلسطينيين ودور العبادة.

وشددت على أن الصورة أصبحت واضحة للعالم بأن إسرائيل تنفذ مخطط إبادة جماعية بحق شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة.

وقالت حركة حماس إن “آلة الإجرام الصهيوني تستمر في توسيع نطاق إرهابها وإجرامها باستهدافها البغيض لكنيسة بوفيليوس الأثرية للروم الأرثوذكس”.

وطالبت “بوقفة وإدانة قوية من المجتمع الدولي ومن مجلس الكنائس العالمي للضغط على هذا الكيان المارق لوقف عدوانه الفاشي ضد دور العبادة والمدنيين العزل”.

مجزرة موكب النازحين

دعا المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي سكان غزة إلى التوجه نحو الجنوب عبر “ممر آمن” جنوب وادي غزة، وأشار إلى أن هذه الطريق لن تتعرض للقصف.

وفي هذا “الممر الآمن” قصفت إسرائيل فلسطينيين كانوا يفرون من شمال قطاع غزة عبره، ما تسبب بمقتل العشرات منهم، وإصابة المئات معظمهم من النساء والأطفال.

وقال شاهد عيان إن إسرائيل قصفت شاحنة كانت تحمل عائلات في طريق نزوحها من شمال قطاع غزة إلى جنوبه عبر “الممر الآمن” الذي أعلنت عنه الدولة العبرية.

وقال الشاهد إنه رأى شاحنة كانت تنقل عشرات العائلات وتم قصفها بالقرب من وادي غزة، وتم نقل الشهداء والمصابين إلى مستشفى الأقصى في دير البلح في وسط القطاع.

وأكدت وزارة الصحة التابعة لحماس “استهداف ثلاث سيارات إسعاف وإصابة عشرة من طواقمها عند إجلاء الجرحى”.

وأظهرت مقاطع فيديو متداولة عبر منصات التواصل الاجتماعي جثثاً ملقاة على الأرض قرب مركبات مدنية، وألسنة لهب متصاعدة من مركبات كانت ضمن الموكب.

تحولات في الموقف الدولي

قالت منظمة العفو الدولية إن إسرائيل ارتكبت جرائم حرب في قطاع غزة، ونفّذت هجمات موجهة إلى أهداف مدنية، مما أدى إلى خسائر كبيرة بين المدنيين ومقتل عائلات بأكملها.

وأكدت المنظمة أن إسرائيل فرضت عقاباً جماعياً وحصاراً غير قانوني على قطاع غزة، حوّله إلى أكبر سجن مفتوح في العالم.

وشهدت عدة مدن كبرى في الولايات المتحدة وأستراليا وبريطانيا وكندا وإسبانيا وغيرها، مظاهرات شارك فيها الآلاف تضامناً مع الفلسطينيين بعد مقتل وجرح الآلاف منهم في غزة.

ورفع البعض خلال مظاهرة لندن أعلاما فلسطينية ولافتات كتبت عليها شعارات بينها “الحرية لفلسطين” و”أوقفوا المجزرة” و”العقوبات لإسرائيل”.

ومن بين أبرز السياسيين الأوروبيين الذين عبّروا عن إدانتهم للعدوان الإسرائيلي الجاري على غزة، وزيرة الحقوق الاجتماعية الإسبانية إيوني بيلارا، التي طالبت حكومتها بتقديم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب.

وقالت إن “دولة إسرائيل تنفّذ إبادة جماعية ممنهجة في قطاع غزة”، واتهمت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بالتواطؤ في جرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل.

اليهود الأميركيون يعتصمون

نفّذ مئات اليهود الأميركيين اعتصاماً مفتوحاً في مبنى الكونغرس الأميركي للمطالبة بوقف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة والتنديد بالمجازر التي يرتكبها الاحتلال بحق الفلسطينيين في القطاع.

وشارك في الاعتصام بعض النواب من الكونغرس الأميركي، من بينهم النائبة الديمقراطية ذات الأصول الفلسطينية رشيدة طليب، التي ألقت كلمة في الاعتصام وجهت خلالها رسالة للرئيس الأميركي جاء فيها “الرئيس بايدن لسنا معك في هذه، لم نعد نستطيع مشاهدة الناس يرتكبون المجازر ويقتلون كثيراً من الناس ببساطة، ثم نقف متفرجين ونصمت حيال ذلك”.

وكان المئات من أعضاء الجالية اليهودية في نيويورك قد نظموا وقفة احتجاجية دعت إليها منظمة “الصوت اليهودي من أجل السلام”، لإعلان موقفهم الرافض للعدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة.

وحمل المتظاهرون لافتات كتب عليها “اليهود يقولون أوقفوا الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين”،

وتحدث أحد أعضاء المنظمة قائلا “أكثر من مليون شخص في سجن مفتوح، معظمهم من الأطفال، إنهم الآن بلا طعام أو مياه أو كهرباء أو وقود، ومع هذا يقصفون بالفوسفور الأبيض”.

أضاف “نحن كيهود نقول لا تفعلوا هذا باسمنا، ليس باسمنا، ليس باسمنا”.

وفي نيويورك، نظمت المجموعة مظاهرات مناوئة للحكومة الإسرائيلية، بدعم من حزب الاشتراكيين الديمقراطيين في أميركا، ضمت آلاف المحتجين على الجرائم الإسرائيلية في غزة.

وعبر ناشطون أميركيون عن غضبهم تجاه سياسة بلادهم المنحازة والداعمة لجرائم إسرائيل في غزة، وطالبوا باستعادة الضرائب التي تدفع للحكومة الأميركية، وتقدم دعماً لإسرائيل في تمويل حربها ضد المدنيين والأبرياء.

ونشرت الناشطة الأميركية راتمونارش مقطع فيديو عبرت فيه عن غضبها تجاه دعم الرئيس جو بايدن لإسرائيل، ووصفته بـ”جو للإبادة الجماعية”.

كما نشر صانع المحتوى الأميركي ماكس الضب، مقطع فيديو أعرب فيه عن غضبه تجاه الدعم الأميركي لإسرائيل في جرائمها بحق الفلسطينيين.

الهروب من إسرائيل

لم يكن اجتياح المقاومة الفلسطينية لغلاف غزة ومستوطناتها ومشاهد الهلع والفرار الجماعي للمستوطنين مجرد معركة عسكرية رابحة، حيث تشير تداعيات تلك المعركة إلى تآكل بنية الدولة العبرية من خلال هروب الإسرائيليين الكثيف إلى الخارج.

ولعل ما قاله أحد الإسرائيليين الفارين يلخص دوافع هذا الهروب حيث قال “لقد هربنا إلى قبرص مباشرة بعد انطلاق صفارة الإنذار الأولى يوم السبت، أخبرني حدسي أن هذه لم تكن مجرد جولة أخرى، وكانت أعصابي متوترة لمدة عشرة أشهر بسبب هذا البلد الذي جن جنونه علينا”.

كما يشير سقوط صواريخ المقاومة في تل أبيب وجنوب القدس، وتعطيل جلسات الكنيست وهروب أعضائها إلى الملاجئ، إلى زيف مقولة الأمن والاستقرار في إسرائيل، ويترك انطباعاً للإسرائيليين عما قد يحصل مستقبلاً، ويجعلهم جاهزين لمغادرة البلاد.

ولم يكن الازدحام غير المسبوق في مطار تل أبيب والمطارات الأخرى لمجرد السفر العادي، فمعظم من يخرجون باتوا لا يرجعون، بما يضرب عمق العقيدة الصهيونية التي تقوم على عنصر الإحلال والاستقرار وتشجيع الهجرة المكثفة إلى “أرض الميعاد”، الذي كان هاجس الوكالة اليهودية منذ تأسيسها.

وتشير ظاهرة الهجرة العكسية المتزايدة إلى سقوط أسباب الاستقرار المبنية على الأمن، فبالنسبة للكثيرين لم تعد إسرائيل دولة آمنة ولا يتوفر فيها عنصر الأمن ومبررات البقاء والمستقبل الذي ينشدونه مع التآكل المتسارع لنظريتها الأمنية.

ولم تعد المقولة الدينية عنصر جذب لليهود للبقاء في إسرائيل، كما أن عنصر الاستقرار على الأرض باعتباره من عناصر تكوين الدولة لم يعد قائماً بعد أن أصبحت ضربات المقاومة تستهدف كل إسرائيل بشكل موجع، وأصبحت فكرة الرحيل بديلاً للكثير من سكانها.

كما أشار استطلاع للرأي إلى أن 33% من سكان إسرائيل يفكرون بالهجرة والانتقال للعيش في أوروبا وأميركا بسبب حكومة نتنياهو المتطرفة وسياساتها التي لا تحظى بالدعم الشعبي.

وذكرت إحصائية إسرائيلية حديثة أن نحو 800 ألف إسرائيلي يقيمون في دول عدة ولا يرغبون بالعودة إلى إسرائيل.

وفي أعقاب تشكيل حكومة نتنياهو ارتفع عدد المواطنين الإسرائيليين الذين يسعون للحصول على الجنسيات الأوروبية بشكل ملحوظ.