لكل السوريين

أزمة السكن تعرقل عودة النازحين السوريين وسط ارتفاع جنوني في تكاليف الترميم والإيجارات

دمشق/ مرجانة إسماعيل

تعيش آلاف العائلات السورية العائدة إلى مناطقها الأصلية بعد سنوات من النزوح ظروفاً إنسانية صعبة، في ظل تفاقم أزمة الإسكان وارتفاع تكاليف الترميم والإيجارات بشكل يفوق قدراتهم المعيشية، ما يعيق عودة الكثيرين إلى منازلهم ويجبر آخرين على اتخاذ خيارات سكنية غير لائقة أو محفوفة بالمخاطر.

في حي الزاهرة بدمشق، يقف أبو علي (54 عاماً) حائراً أمام منزله المتضرر جزئياً بفعل الحرب، والذي اضطر لمغادرته منذ ثماني سنوات. عاد أبو علي من اللاذقية حيث كان نازحاً ليجد أن إصلاح سقف منزله فقط يحتاج إلى 25 مليون ليرة سورية. ويقول العامل كحارس في مدرسة إنه يعيش مع أسرته المكونة من ستة أفراد في غرفة واحدة صالحة للسكن بينما تنتظر بقية الغرف الترميم الذي قد لا يتمكن من إنجازه لسنوات بسبب ضيق الحال.

ولا تقتصر المعضلة على عمليات الترميم. في حمص، تفاجأت أم محمد (38 عاماً) من حي الحميدية عند عودتها بأن شقتها الصغيرة مؤجرة بمبلغ 500 دولار شهرياً، أي أكثر من ثلاثة أضعاف راتب زوجها الحكومي. ونظراً لحماية القانون للمستأجر، لم تستطع استعادة منزلها واضطرت للانتقال إلى غرفة واحدة في حي فقير مقابل 150 دولاراً، تقيم فيها مع أطفالها الأربعة الذين يتشاركون سريراً واحداً.

وفي ريف حماة الشمالي، يواجه مهند (35 عاماً)، وهو نجار سابق، صعوبات جسيمة في إعادة بناء منزله بعد العودة من النزوح. فقد ارتفع سعر طن الإسمنت إلى 1.8 مليون ليرة، وبلغت تكلفة علبة الدهان 250 ألف ليرة بعدما كانت بـ20 ألفاً. واضطر لبيع ذهب زوجته لشراء شبابيك ألمنيوم ارتفع سعر المتر الواحد منها 12 مرة منذ عام 2010.

وفي دمشق، اضطرت عائلة أبو مازن (47 عاماً) التي فقدت منزلها بالكامل في الغوطة الشرقية إلى محاولة استئجار شقة في منطقة المزة، لكنها اصطدمت بطلب دفعة أولى بقيمة 600 دولار، بالإضافة إلى إيجار سنة كاملة مقدماً. ولم تجد العائلة سوى “غرفة خدمات” على سطح بناية بمبلغ 80 دولاراً شهرياً، تفتقر للخصوصية والتهوية.

وفي سياق متصل، تعرض سامر (40 عاماً) العائد من لبنان إلى محاولة ابتزاز من جهة مسلحة استولت على شقته في حي وادي الذهب بحمص. وطلبت منه دفع 10 آلاف دولار لاستعادة شقته، وعندما رفض، تلقى تهديدات أجبرته على مغادرة الحي مجدداً.

وتعاني النساء العازبات بشكل خاص من تداعيات أزمة السكن. أم ياسر (43 عاماً)، أرملة عادت إلى حمص، وجدت أن شقتها المؤجرة بيعت دون علمها. وقالت إن المالك الجديد يطالب بإخلائها، بينما قد تستغرق الإجراءات القانونية سنوات. وتعيش اليوم في غرفة مستأجرة تفتقر لأدنى مقومات السكن الكريم، وتعد الطعام على موقد كحولي في غياب مطبخ.8

وانتشرت ظاهرة “الغرف الجماعية” بشكل لافت، حيث تضطر عائلات بأكملها لاستئجار غرفة واحدة بمبلغ 100 دولار شهرياً، يتشاركون فيها دورة مياه واحدة مع بقية السكان. وفي حي الجورة بحماة، قال أبو أحمد (50 عاماً): “نعيش مثل الفئران، عشرة أشخاص في عشرين متراً مربعاً”.

وفي ظل انعدام الخيارات، تلجأ بعض العائلات لحلول بديلة مثل شراء “كونتينرات” معدنية وتحويلها إلى مساكن مؤقتة. في ريف دمشق، اشترت عائلة أبو رامي (39 عاماً) حاوية معدنية مستعملة بخمسة ملايين ليرة، نصبتها على قطعة أرض تابعة للعائلة، ويعيشون فيها منذ عام في ظروف صعبة تتفاقم في الصيف والشتاء.

ولا تقتصر المعاناة على السكان فقط، فالمقاولون الصغار يعانون أيضاً. علي (28 عاماً)، مقاول في حماة، أشار إلى أن المشاريع الصغيرة تكاد تكون مستحيلة، إذ يطالب الزبائن بأسعار ما قبل الحرب بينما تضاعفت التكاليف أربعين مرة. وقال إن ذلك يضطرهم إلى تنفيذ ترميمات رديئة باستخدام مواد غير آمنة، ما يعرض السكان لمخاطر الانهيارات.

ومع انعدام الخطط الإسكانية وارتفاع الأسعار، لجأت العديد من العائلات إلى خيارات مؤقتة مرهقة، منها الإقامة في خيام بالحدائق العامة، أو استئجار غرف بالتناوب بين عدة أسر، أو العودة إلى مناطق غير آمنة فقط لأنها أقل تكلفة.

ويعكس هذا الواقع المأزوم غياب أي استراتيجية وطنية فاعلة لإعادة الإعمار وضمان عودة كريمة للنازحين، وسط ارتفاع غير مسبوق في أسعار السكن ومواد البناء، وشلل في القطاع العقاري، ما يدفع السوريين نحو مزيد من الفقر والتهميش، ويضعف فرص التعافي المجتمعي في مرحلة ما بعد الحرب.

- Advertisement -

- Advertisement -