لكل السوريين

سابقة من نوعها… الإدارة الذاتية تنجح في تنظيم عمليتين امتحانيتين

بدا تركي الخليل، وهو أب لطالبة تتقدم لامتحان شهادة التعليم الأساسي (التاسع) في مدينة الرقة، سعيداً وهو يترقب خروج ابنته من داخل مدرسة الرشيد الإعدادية بعد أن أنهت امتحان مادة الرياضيات وفقاً لمنهاج النظام السابق.

لحظات ترقب وقلق، امتزجت بالفخر، بدت على ملامح الرجل الأربعيني، الذي حرص على مرافقة ابنته منذ اليوم الأول وحتى لحظة دخولها قاعة الامتحان في مدينة الرقة، حيث شهدت هذه المدينة، كما غيرها من مناطق إقليم شمال وشرق سوريا، حدثاً غير مسبوق في تاريخ المنطقة الحديث.

سابقة من نوعها

نجحت الإدارة الذاتية لإقليم شمال وشرق سوريا، بتنظيم عمليتين امتحانيتين إحداهما وفقاً لمنهاج الإدارة، والأخرى جاءت وفقاً لمنهاج النظام السابق، في سابقة لنوعها أثبتت قدرة الإدارة على توفير الظروف اللوجستية والاجتماعية لمستقبل أفضل لسكان الإقليم.

فقد احتضن الإقليم، ولأول مرة منذ أكثر من عقد، عمليتين امتحانيتين متزامنتين، الأولى تعتمد على منهاج الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، والثانية تُجرى وفقاً لمنهاج النظام السابق، وذلك بعد سنوات من اضطرار آلاف الطلاب والطالبات إلى مغادرة مناطقهم والتوجه إلى مدن سورية أخرى لتقديم امتحانات شهادتي التعليم الأساسي والثانوي، وما كان يرافق ذلك من صعوبات مالية ونفسية واجتماعية أثقلت كاهل الطلاب وعائلاتهم.

لكن هيئة التربية والتعليم في الإدارة الذاتية، وبالتنسيق مع وزارة التربية في الحكومة السورية الانتقالية، تمكنت هذا العام من نقل العملية الامتحانية إلى داخل مناطق الإدارة الذاتية، في خطوة وُصفت بالمفصلية، جاءت نتيجة اجتماعات ومشاورات مكثفة جرت خلال شهر حزيران/ يونيو الجاري، وتُوجت باتفاق رسمي يضمن حقوق الطلبة وينظم آلية التقديم ضمن معايير تربوية موحدة.

وقال تركي الخليل في حديثه لصحيفة السوري، إن إقامة الامتحانات داخل مناطق شمال وشرق سوريا وفقاً لمنهاج النظام السابق، خفّف عن الطلاب أعباء السفر والإقامة والنقل، إضافة إلى التكاليف المادية التي كانت تتحملها الأسر في كل عام، فضلاً عن المعاناة النفسية التي كان يعيشها الطلاب بسبب الابتعاد عن مناطقهم وأهاليهم.

ترويج للفشل

وتابع الخليل قائلاً: “بعض الأطراف حاولت الترويج لفشل التجربة الامتحانية في شمال وشرق سوريا، واعتبروا أنها لن ترى النور، لكن ما حدث أثبت العكس تماماً. التنظيم كان على مستوى عالٍ، والإشراف كان مباشراً من قبل هيئة التربية والتعليم، وكل شيء سار بسلاسة”.

في الثامن من حزيران/ يونيو الجاري، أعلنت هيئة التربية والتعليم في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا عن التوصل إلى اتفاق مشترك مع وزارة التربية في الحكومة السورية الانتقالية، بعد اجتماعات عُقدت يومي 5 و6 من الشهر ذاته، وهدف الاتفاق إلى تنظيم العملية الامتحانية في مختلف مناطق سوريا، بما يضمن حقوق الطلبة وتكافؤ الفرص التعليمية.

وأوضح بيان صادر عن الهيئة أن الاتفاق شمل مجموعة من الإجراءات التنظيمية، من بينها تشكيل لجان مؤقتة للإشراف على سير الامتحانات، وافتتاح مراكز تسجيل مشتركة ومؤقتة، لتسهيل استقبال وتسجيل الطلاب من جميع المناطق. وقد بدأ التسجيل في هذه المراكز بتاريخ 11 حزيران واستمر حتى 17 من الشهر نفسه.

وأكدت الهيئة أن الطرفين اتفقا على تسهيل نقل الطلاب المسجلين خارج مناطق الإدارة الذاتية، وتمكينهم من التقديم للامتحانات دون أي عوائق، ما استدعى تأجيل موعد بدء الامتحانات من 14 إلى 21 من حزيران، بهدف إتاحة الوقت الكافي لتنظيم العملية وضمان جاهزية المراكز الامتحانية.

وبلغ عدد الطلاب المتقدمين لامتحانات شهادة التعليم الأساسي وفقاً لمنهاج النظام السابق في مناطق الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا 26,445 طالباً وطالبة، موزعين على خمس مناطق رئيسية، هي: الجزيرة، الرقة، الطبقة، دير الزور، والفرات. وقد جاء هذا الرقم بعد انتهاء عملية التسجيل التي استمرت ستة أيام في ستة مراكز تم افتتاحها لهذا الغرض، تزامنًا مع وصول البطاقات الامتحانية الرسمية من وزارة التربية في الحكومة الانتقالية.

تدابير وإجراءات

وفي هذا السياق، أعلنت هيئة التربية والتعليم في الإدارة الذاتية عن اتخاذ كافة التدابير والإجراءات التنظيمية لضمان سير العملية الامتحانية بسلاسة، وبالتنسيق مع الهيئات التربوية المحلية في كل مقاطعة. وقد جرى تجهيز المراكز الامتحانية لاستيعاب الأعداد المتقدمة، مع التأكيد على توفير أجواء مناسبة تضمن الشفافية والنزاهة.

وأكد الرئيس المشترك لهيئة التربية والتعليم، خلف المطر، أن الهيئة تعاونت مع المجلس التنفيذي، وهيئات الصحة والداخلية، واتحاد البلديات، من أجل تأمين الظروف الملائمة لإنجاح هذه العملية. كما تم الإعلان عن تشكيل لجنة إشراف مشتركة ضمت مندوباً وزارياً وممثلين عن الهيئة، إضافة إلى تعيين مراقبين وأمناء سر ورؤساء مراكز بعناية، بما يضمن العدالة الكاملة في الامتحانات.

وقد أُجريت هذه الامتحانات برعاية من منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسف”، ما أضفى طابعاً رسمياً على الاتفاق الذي نُفّذ للمرة الأولى في تاريخ الإقليم، وشكّل تحولاً مهماً في المسار التربوي لمناطق شمال وشرق سوريا.

وفي الحادي والعشرين من حزيران/ يونيو الجاري، توجه طلاب شهادة التعليم الأساسي إلى مراكز الامتحانات الموزعة على مقاطعات الجزيرة، دير الزور، الرقة، الطبقة، والفرات، حيث جرى تقديم الامتحانات في أجواء هادئة ومنظمة، أشاد بها الطلبة وأهاليهم على حد سواء.

وجاء الاتفاق عقب اجتماع مشترك عُقد في العاشر من حزيران، وأعقبه إعلان رسمي من هيئة التربية والتعليم تضمّن مجموعة من التعليمات والإجراءات المتعلقة بآلية التسجيل وتقديم الامتحانات، في خطوة تهدف إلى ضمان سير العملية الامتحانية وتسهيل وصول الطلبة وتسجيلهم.

ووفق التعليمات الجديدة، تم تحديد ستة مراكز تسجيل رسمية موزعة على مدن شمال وشرق سوريا: اثنان في الجزيرة، وواحد في كل من الرقة، الطبقة، الفرات، ودير الزور. وقد شهد اليوم الأول من التسجيل إقبالاً واسعاً من الطلاب والطالبات، حيث عبّر عدد كبير من الطلبة عن ارتياحهم لهذه الخطوة التي وصفوها بـ”التاريخية والنوعية”.

تطور نوعي

وترى أوساط تربوية ومجتمعية أن هذا الاتفاق بين الإدارة الذاتية ووزارة التربية في الحكومة الانتقالية يمثل تطوراً نوعياً في مسار التعليم في مناطق شمال وشرق سوريا.

وقالت الطالبة جورين عبدي، التي تتقدم لامتحانات الثانوية العامة – الفرع العلمي وفقاً لمنهاج الإدارة الذاتية: “أهم ما في هذه التجربة أن الطالب بات يملك حرية اختيار المنهاج الذي يريد أن يدرسه ويقدّم امتحانه على أساسه. يجب أن تبقى العملية التربوية والتعليمية خارج الحسابات والخلافات السياسية، فهي تتعلق بمستقبلنا وحقوقنا”.

ويأمل الطلاب وأهاليهم أن تُمهّد هذه الخطوة لتفاهمات أوسع في المستقبل، تضمن حق التعليم للجميع وتخفف من الأعباء عن كاهل الأسر، وتمنح الأجيال الجديدة فرصة بناء مستقبلها على أرضها، في بيئة تعليمية آمنة ومستقرة.

ومنذ سنوات بدأت الإدارة الذاتية لإقليم شمال وشرق سوريا بتنظيم عملية امتحانية لطلاب شهادتي الإعدادية والثانوية وفقاً لمنهاج الإدارة الذاتية، بعد أن ركزت هيئة التربية والتعليم على إعادة تأهيل القطاع التربوي لا سيما في المناطق التي كان يسيطر عليها مرتزقة “داعش”.

وأعدت هيئة التربية والتعليم في الإدارة الذاتية منهاجها الدراسي الخاص وفقاً لقيم المجتمع الديمقراطي الحر، وفكر الأمة الديمقراطية، وأعادت تأهيل المدارس التي دمرتها الحرب بعد أن استغل مرتزقة “داعش” تلك المدارس وحولوها إلى مقرات عسكرية وأمنية لتمرير إرهابهم وفكرهم المتطرف.

- Advertisement -

- Advertisement -