لكل السوريين

واقع مرير.. كيف حوّلت الأزمات جيلاً كاملاً من السوريات إلى عازبات؟

دمشق/ مرجانة إسماعيل

في شقة صغيرة بدمشق، تجلس سمر (32 عاماً) تتأمل صورة خطيبها الذي فقدته منذ ثماني سنوات، عندما اختفى في دهاليز الاعتقال. تقول بمرارة: “كل صديقاتي تزوجن وأنجبن، بينما أنا ما زلت أحلم ببيت صغير”. قصتها ليست استثناءً، بل جزء من ظاهرة اجتماعية مزمنة تتفاقم في سوريا، حيث تشير تقديرات غير رسمية إلى أن أكثر من 60% من النساء في سن الزواج يعانين من العزوبية القسرية.

الأسباب متشعبة كجروح الحرب نفسها. خالد (35 عاماً)، مهندس من حمص، يشرح لماذا تأخر زواجه: “كيف أتزوج وأنا بأربع وظائف لا أكسب سوى 300 دولار شهرياً؟ سعر الذهب وحده يكفي لشراء سيارة”. بينما يضيف صديقه محمد، الذي عاد مؤخراً من ألمانيا: “الشباب المهاجرون يخافون من العودة، والذين بقوا هنا يعيشون على الهامش”.

لكن المعاناة الأقسى هي للنساء في المناطق التي شهدت نزاعات عنيفة. أمينة (29 عاماً) من ريف حمص فقدت خطيبها وأخاها في معارك تنظيم “داعش”، وتقول: “حتى لو تقدم أحد لخطبتي، من سيوافق على فتاة بدون عائل ذكر يضمن حقوقها؟”. في مجتمع محافظ، تشكل هذه العقبة حاجزاً إضافياً أمام زواج الكثيرات.

المفارقة المؤلمة تظهر في الإحصاءات المتضاربة. بينما تنفي الجهات الرسمية وجود أزمة، تؤكد منظمات حقوقية أن نسبة العازبات في بعض المناطق وصلت إلى 70%. الدكتورة روان ناصر، أخصائية اجتماعية، تشرح: “هناك فجوة ديموغرافية حقيقية، فالرجال إما قتلوا أو هاجروا أو يعيشون في فقر مدقع”.

بعض النساء وجدن حلولاً غير تقليدية. سارة (34 عاماً) من ريف دمشق، اختارت “الزواج العرفي” من رجل متزوج بعد أن يئست من الانتظار. “أعلم أنه ليس الحل الأمثل، لكنه أفضل من العيش في نظرات الشفقة”، تقول بأسى بينما فضلت لينا (37 عاماً) من دمشق الاعتماد على نفسها، وافتتحت مشغلاً صغيراً للملابس: “تعلمت أن السعادة لا تقتصر على الزواج”.

في الريف، تختلف المعادلة فاتن (26 عاماً) من حمص، ترفض عشرات العروض لأنها تنتظر عودة أخيها المغترب لتزويجها. “لا أثق بقرارات والديّ بعد أن زوجا أختي الصغرى قبلي”، توضح هذه الثقافة تزيد من تعقيد الأزمة في المجتمعات التقليدية.

وتقرّ مسؤولة في جمعية بحماة: أن “المشكلة اقتصادية في الأساس، فحتى الذين يتعارفون لا يستطيعون تحمل تكاليف الزواج” سعر الذهب وحده ارتفع من 3 ملايين ليرة للعقد في 2019 إلى 25 مليوناً اليوم.

وتظهر التأثيرات النفسية لهذه الأزمة جلية حيث تشهد عيادات الطب النفسي ازدياداً في حالات الاكتئاب بين العازبات. نورا (30 عاماً) تقول: “أخفي دموعي في كل حفل زفاف أشارك فيه”، بينما تعاني هدى (33 عاماً) من إدمان المهدئات بعد أن رفضها خمسة خُطّاب لأن عمرها “تجاوز الحد الطبيعي”.

في المقابل، بدأت تظهر مؤشرات تحسن طفيفة عودة بعض المغتربين بعد استقرار الأوضاع النسبي أعطت بارقة أمل مازن (40 عاماً)، الذي عاد من الإمارات تزوج مؤخراً من صديقة طفولته (35 عاماً): “وجدتها ما زالت تنتظرني، رغم كل هذه السنوات”.

لكن الخبيرة الاقتصادية د. لمى الحسيني تحذر: “لا حل جذرياً دون تحسين الوضع المعيشي. الزواج في سوريا أصبح رفاهية”، بينما يرى الباحث الاجتماعي د. معن صافي أن الحل يحتاج وقتاً: “المجتمع بحاجة لإعادة تعريف مفاهيمه عن الزواج، والنساء يجب أن يجدن مساحات أخرى للإنجاز غير الإنجاب”.

السؤال الأصعب يبقى: كم جيلاً آخر سيدفع ثمن هذه الأزمة؟ وكيف سيكون شكل المجتمع السوري بعد سنوات من هذا الخلل الديموغرافي؟ الإجابات تبدو بعيدة، مثل أحلام تلك النساء اللواتي ينتظرن على عتبات بيوت آبائهن، بينما تمر سنوات العمر بلا عودة.

- Advertisement -

- Advertisement -