لكل السوريين

قوس النصر في دمشق شاهد على عظمة التاريخ

في قلب العاصمة السورية دمشق، وتحديدًا عند بوابة مدينة دمشق القديمة، يقف قوس النصر شامخًا كشاهدٍ على العصور التي عبرت فوق هذه المدينة العريقة. وعلى الرغم من أن شهرة قوس النصر ترتبط عادة بمدينة تدمر، فإن قوس النصر الدمشقي لا يقل أهمية، إذ يُعدّ أحد المعالم الرومانية البارزة التي ما تزال تحافظ على حضورها وسط الزحام الحديث، رغم ما يهددها من تآكل وإهمال.

نبذة تاريخية: إرث روماني عابر للعصور

يُعتقد أن قوس النصر في دمشق يعود إلى القرن الثالث الميلادي، في الفترة التي كانت فيها دمشق تحت الحكم الروماني، وقد شُيّد ضمن إطار معماري ضخم يمثل المدخل الشرقي للمدينة القديمة، وتحديدًا في شارع الستين الروماني المستقيم (شارع الكاردو) الذي ورد ذكره في العهد الجديد باسم “الشارع المستقيم”.

كان القوس جزءًا من بوابة كبرى تؤدي إلى قلب المدينة الرومانية، ويُرجّح أنه بُني تكريمًا لأباطرة رومان أو بمناسبة انتصارات عسكرية، كما هو الحال في معظم الأقواس المنتشرة في الإمبراطورية الرومانية.

الخصائص المعمارية: تحفة هندسية

نمط البناء: روماني كلاسيكي.

المادة: حجر كلسي أبيض ومحلي.

التصميم: يتألف من قوس واحد يرتفع وسط أبراج جانبية، محاط بكتابات ونقوش وزخارف نباتية وهندسية.

الوظيفة الأصلية: رمزية وشُرَفية، إضافة إلى وظيفته كجزء من بوابة دفاعية.

القوس كان يتصل بجدران سور دمشق القديم، مما جعله جزءًا من البنية الدفاعية، وأيضًا عنصرًا جمالياً يرحب بزوار المدينة.

رغم مرور ما يزيد عن 1700 عام، لا يزال القوس قائمًا، لكنه يعاني من التشققات، التآكل، والتلوث البيئي نتيجة العوادم والرطوبة، فضلًا عن غياب الصيانة الدورية.

المنطقة المحيطة بالقوس تشهد حركة مرورية كثيفة، كما أن الباعة الجوالين واللوحات الإعلانية شوهوا المشهد الحضري حوله. وبحسب خبراء آثار، فإن القوس معرض لخطر الانهيار على المدى البعيد إذا لم يُتخذ إجراء عاجل للحفاظ عليه.

أهميته الثقافية والروحية

يمثل القوس حلقة وصل بين الحقب التاريخية من الرومانية إلى الإسلامية، حيث لا يبعد سوى خطوات عن الجامع الأموي.

هو نقطة جذب سياحي وأثري، ومركز اهتمام الباحثين في العمارة القديمة.

دعت المديرية العامة للآثار والمتاحف في سوريا ومنظمات دولية مثل اليونسكو إلى ضرورة اتخاذ خطوات جدية لترميم القوس، وتأمين المنطقة المحيطة به.

يقول الدكتور يوسف ناصيف، أستاذ الآثار الكلاسيكية بجامعة دمشق:

“قوس النصر ليس مجرد بقايا حجرية، بل وثيقة حية تُجسد الطابع العمراني لدمشق الرومانية. فقدانه سيكون خسارة لا تُعوّض”.

مشروع توثيق رقمي ثلاثي الأبعاد للقوس ضمن مبادرة دولية لحفظ التراث السوري.

دعوات لإعادة تنظيم السوق المحيط به ونقل النشاطات التجارية بعيدًا عن الموقع.

دراسات هندسية لتدعيم الأساسات ومراقبة التشققات.

القوس في ذاكرة الناس

رغم عدم شهرته كقوس تدمر، إلا أن الكثير من الدمشقيين يعتبرونه “جزءاً من وجدان المدينة”، ويشكّل القوس محطة يتوقف عندها الزوار لالتقاط الصور، بينما تمر حوله القصص القديمة والأساطير المحلية عن المجد الروماني.

الحفاظ على قوس النصر واجب وطني وإنساني

في ظل التحديات البيئية، والاقتصادية، والعمرانية التي تواجه سوريا، تبقى حماية المعالم الأثرية مسؤولية مشتركة. إن قوس النصر الدمشقي ليس مجرد حجرٍ قديم، بل شاهد على حضارةٍ ما تزال تنبض رغم الجراح.

- Advertisement -

- Advertisement -