لكل السوريين

مشتى الحلو.. من مصيف نابض بالحياة إلى مدينة أشباح تحت وطأة الأزمة

طرطوس/ اـ ن

كانت بلدة مشتى الحلو، التابعة لمحافظة طرطوس، تُعد لعقود من الزمن إحدى أهم المصايف السياحية في سوريا، لما تتميز به من طبيعة خلابة ومناخ معتدل ومرافق سياحية متنوعة. لكن اليوم، تحولت هذه البلدة التي لطالما كانت تعجّ بالسياح من الداخل والخارج، إلى مدينة شبه خالية، تعاني من شلل اقتصادي وسياحي خانق، نتيجة تدهور الأوضاع العامة في البلاد، وفقدان الأمن والاستقرار، وتراجع القدرة الشرائية للسكان.

فخلال السنوات الماضية، وخاصة بعد سقوط النظام السابق، شهدت مشتى الحلو، كما سائر مناطق البلاد، تدهوراً حاداً في قطاع السياحة. وأكدت مصادر محلية لـ “السوري” أن الأشهر الثلاثة الأولى بعد التحول السياسي شهدت انخفاضاً في إشغال الفنادق والمطاعم بنسبة تجاوزت 90%، مما دفع أصحاب المنشآت السياحية إلى تخفيض أسعار الإيجارات بشكل كبير، حيث هبطت أسعار الشقق المفروشة من أكثر من مليون ليرة إلى نحو 300 ألف ليرة فقط، دون أن يؤدي ذلك إلى تحريك عجلة السياحة أو استقطاب الزوار.

ويعزو الأهالي هذا التراجع الحاد إلى انعدام الأمن على الطرق المؤدية إلى البلدة، حيث باتت الحركة الليلية شبه معدومة، ما أعاق وصول الزوار والسياح، خصوصاً في فترات المساء. ويقول أحد أصحاب المطاعم: “السياح لم يعودوا يأتون كما في السابق، والطرق أصبحت تشكل خطراً حقيقياً، فلا أحد يغامر اليوم بالخروج من منزله بعد الغروب”.

كما ساهم تراجع المستوى المعيشي وارتفاع معدلات الفقر في إحجام كثير من السوريين عن قضاء إجازاتهم أو التنزه، لتصبح مشتى الحلو، التي كانت تعتمد بشكل رئيسي على السياحة كمصدر رزق لغالبية سكانها، تعاني من ركود اقتصادي ألحق أضراراً بالغة بالأهالي والمنشآت على حد سواء.

تقع مشتى الحلو على هضبة خضراء على ارتفاع 600 متر عن سطح البحر، وتحيط بها جبال وغابات من كل جانب، وتبعد عن طرطوس 45 كم، وعن حمص 62 كم، وعن دمشق 220 كم. وتبلغ مساحتها نحو 490 هكتار، يقطنها حوالي 3440 نسمة حسب إحصائيات 2005، ويتضاعف عدد السكان خلال موسم السياحة.

شهدت البلدة تدفقاً كبيراً للنازحين من مختلف المدن السورية بعد اندلاع الحرب عام 2011، مما ساهم بزيادة الكثافة السكانية، وخلق ضغطاً إضافياً على بنيتها التحتية.

وتزخر مشتى الحلو بمعالم سياحية وطبيعية بارزة، أبرزها مغارة الضوايات الشهيرة التي تعود إلى حوالي 20 مليون سنة، وتتميز بتكوينات جيولوجية فريدة، بالإضافة إلى شجرة “الدلبة” العملاقة، التي يُقدّر عمرها بنحو 500 عام، وتشكل رمزاً محلياً لأهالي البلدة، إلى جانب سلسلة من المقاهي والمطاعم والينابيع العذبة المنتشرة في المنطقة.

كما تُعرف البلدة بتاريخها الثقافي والديني، حيث تقام على جبل السيدة احتفالات سنوية بعيد السيدة العذراء في 15 آب، وتُنظم مسيرات تقليدية قبيل الصوم الكبير.

اليوم، يقف أهالي مشتى الحلو أمام واقعٍ قاتم، حيث غياب الزوار، وانهيار المردود السياحي، واستمرار الأزمة الاقتصادية، جعلوا من المصيف الجميل مدينة أشباح في غير موسمه، بلا أصوات ولا حركة.

ويطالب السكان والفعاليات السياحية في البلدة بضرورة تدخل الحكومة الجديدة ووزارة السياحة لإنقاذ البلدة من الانهيار، عبر إجراءات عاجلة لتحسين البنية التحتية، وضمان الأمن على الطرق، وتشجيع الاستثمار في القطاع السياحي.

مشتى الحلو لم تفقد جمالها، لكنها فقدت زوارها… وما تحتاجه اليوم هو عودة الحياة، قبل أن تفقد ما تبقى من روحها.

- Advertisement -

- Advertisement -