حذّر خبراء بيئيون من أن النزاعات المسلحة المستمرة في العديد من مناطق العالم لا تقتصر آثارها على الخسائر البشرية والاقتصادية، بل تُعدّ من أخطر العوامل التي تسرّع التغير المناخي وتدمر النظم البيئية بشكل غير مسبوق، مما يهدد مستقبل الحياة على كوكب الأرض.
ووفقاً لدراسات وبيانات بيئية حديثة، فإن الحروب تسرّع وتيرة الاحتباس الحراري من خلال إطلاق كميات ضخمة من الغازات الدفيئة، وتدمير الغطاء النباتي، وتلويث التربة والمياه، مما يفاقم الأزمات البيئية ويهدد الأمنين الغذائي والمائي.
وفي تصريحات لوكالة الأنباء الأردنية (بترا)، أوضح خبراء أن العمليات العسكرية تستهلك كميات هائلة من الوقود الأحفوري وتُطلق انبعاثات كربونية كثيفة، ما يعرقل جهود مواجهة التغير المناخي ويدمر المساحات الخضراء التي تُعدّ حواجز طبيعية لامتصاص الكربون.
وقال البروفيسور أحمد السلايمة إن الحروب لا تشعل فقط نيران الصراع، بل أيضاً نيران التغير المناخي، مشيراً إلى أن استخدام الطائرات والدبابات والصواريخ يطلق كميات هائلة من ثاني أكسيد الكربون. كما أن حرائق مصافي النفط وتدمير الغابات تؤدي إلى فقدان “أحواض الكربون” الطبيعية، ما يزيد من تراكم الغازات الدفيئة في الجو.
وأضاف أن الحروب تتسبب في تآكل التربة وتسريع التصحر، ناهيك عن التلوث طويل الأمد الناتج عن الذخائر والأسلحة السامة، ما يجعل من استعادة التوازن البيئي مهمة شبه مستحيلة في بعض المناطق.
من جهته، وصف أمين عام وزارة البيئة الأردنية السابق، محمد الخشاشنة، الحروب بأنها من “أخطر ملوثات البيئة”، مشيراً إلى أن النزاعات مسؤولة عن نحو 6% من الانبعاثات العالمية للغازات الدفيئة، مع احتمال ازدياد هذه النسبة خلال النزاعات الكبرى. كما أشار إلى أن الحرب الروسية – الأوكرانية تسببت بتعطيل مشاريع الطاقة النظيفة، ما أعاد العالم إلى استخدام الوقود الأحفوري.
ولم تسلم البيئة البحرية من آثار الحروب، حيث تلوث السفن الحربية المحيطات بمواد كيميائية ونفايات تؤدي إلى تدهور الشعاب المرجانية وتلف الموائل البحرية.
وفي السياق نفسه، كشفت الصحافية البيئية فرح عطيات أن الانبعاثات العسكرية غالباً ما تُستثنى من الاتفاقيات المناخية الدولية، مثل اتفاق باريس، ما يخلق فجوة كبيرة في تقييم الأثر الحقيقي للصراعات على المناخ. وتُقدّر هذه الانبعاثات بحوالي 1.2 مليار طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون سنويًا.
كما دعت عطيات إلى إنشاء مجلس أممي خاص بالأمن المناخي، تكون له صلاحيات مساءلة ومعاقبة الدول المتسببة في الكوارث البيئية الناتجة عن الحروب، محذّرة من أن التغاضي عن هذا الجانب سيكلف العالم ثمناً فادحاً.
أما الخبير البيئي إيهاب عيد، فقد أشار إلى أن العدوان الإسرائيلي على غزة يمثل نموذجاً كارثياً، إذ تسبب بانبعاث ما يزيد عن 1.9 مليون طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون، مع توقع انبعاثات تفوق 30 مليون طن خلال مرحلة إعادة الإعمار، وهو ما سيؤدي إلى تعميق الأزمة البيئية في المنطقة.
وأكد عيد أن النزاعات قد تدفع العالم إلى تجاوز “نقاط تحول مناخية حرجة”، مثل تغيّر أنماط الأمطار، وازدياد موجات الحر، وتصاعد العواصف والكوارث الطبيعية، داعياً إلى إيقاف الحروب ودمج البعد البيئي في مفاوضات السلام والسياسات الدولية.
ويجمع الخبراء على أن استمرار النزاعات يهدد بقاء الحياة على الأرض، وأن الحلّ يبدأ من السلام، لا فقط لإنهاء القتل، بل لحماية ما تبقى من توازن بيئي هشّ قد لا يصمد طويلاً أمام نيران الحروب.
المصدر/ وكالة هاوار