لكل السوريين

لهيب الأسعار يشعل أسواق مدينة حلب

حلب/ خالد الحسين  

شهدت أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية المختلفة في أسواق مدينة حلب ارتفاعا قياسيا بوتيرة متسارعة تصل إلى 1.5% يوميا و10.5% أسبوعيا لأكثر السلع، في حين تتفاوت هذه النسب صعودا وهبوطا باختلاف المواد ومستوى العرض والطلب عليها.

بينما تتعاظم مأساة الأُسر السورية، لا سيما الأسر ذوي الدخل المحدود نتيجة لهذا الغلاء المتسارع؛ فقبل هذه الموجة من الغلاء كان عدد الأفراد الذين هم تحت خط الفقر 90% -بحسب منظمة الأمم المتحدة- وهو ما يهدد الآن الآلاف من العائلات بالجوع أو سوء التغذية وما ينضوي عليه من مخاطر صحية.

في حين لا يبدو أن ثمة حلولا تلوح في الأفق لهذا الخطر الداهم الذي يواجه ملايين السوريين، في ظل تعثر الحل السياسي وانهيار معظم القطاعات الحيوية في البلاد.

وقد أصدرت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك مؤخرا نشرتها لأسعار المواد الأساسية التي شهدت معظمها ارتفاعا ملحوظا بنسب تتراوح بين 3% و20%، بحسب المواد المتعددة.

ولو أراد المواطن السوري شراء كيلوغرام واحد من كل سلعة من هذه المواد لكانت التكلفة 84 ألف ليرة سورية، أي ما يعادل نحو متوسط الراتب الشهري للموظف الحكومي الذي يبلغ 90 ألف ليرة (25 دولارا)، وأقل من أدنى مستوى للأجور في القطاع الخاص والمحدّد بـ74 ألف ليرة سورية في الشهر.

أما في الأسواق، فتبين أن الأسعار الفعلية للمواد في محال بيع المفرق (التجزئة) تفوق النشرة الحكومية بنسبة ارتفاع من 5 إلى 25%، في حين تختلف هذه الأسعار من منطقة إلى أخرى، بل من محل إلى آخر.

ففي حين كان سعر كيلو السكر في النشرة 2500 ليرة سورية، فإنه في السوق بلغ 3 آلاف ليرة، وبينما كان سعر لتر زيت دوار الشمس في النشرة 8500 ليرة، فإنه وصل في السوق إلى 11 ألفا؛ وعلى هذا المنوال يمكن قياس الارتفاع في مختلف المواد المذكورة في النشرة الخاصة بوزارة التجارة الداخلية.

أما عن مصادر البروتين المختلفة من لحوم حمراء وبيضاء وبيض، فيمكن القول إن مجرد التفكير في شرائها يعني للمواطن السوري ضربا من المزاح الثقيل، حيث بلغ سعر كيلو لحم العجل 24 ألف ليرة (7 دولارات)، أما سعر كيلو لحم الغنم فوصل إلى 30 ألف ليرة (8.5 دولارات)، في حين وصل سعر صحن البيض (20 بيضة) إلى 13 ألف ليرة (3.7 دولارات)، أما أسعار لحوم الدجاج المختلفة فتراوحت ما بين 5700 و13700 ليرة (1.6 و3.8 دولارات) وهي -بالنسبة للموظفين في القطاعين العام والخاص- أسعار فلكية لا تتناسب مع قيمة رواتبهم.

والجدير بالذكر أن أسعار السلع ارتفعت بنسبة 107% من بداية عام 2021م.

بعيدا عن لغة الأرقام وقريبا من السوريين، يمكن للمرء الذي يسير في شوارع حلب  أن يكتشف حجم الكارثة التي تعكسها موجات الغلاء المتعاقبة على العائلات التي بات أفرادها يعملون ليلا ونهارا من أجل تأمين قوت يومهم ومحاولة النجاة في هذه الظروف الكربة.

عائلة سعاد (33 عاما) -موظفة تعمل بائعة في محل بقالة في حلب واحدة من تلك العائلات التي اضطرها الفقر والغلاء إلى اتخاذ قرارات مجحفة بحقها كونها عائلة تريد العيش بكرامة واستقلال، فتقول هاجر -للسوري- “اضطررت أنا وزوجي لاتخاذ قرار بالانفصال سكنيا عن بعضنا بعضا لنوفّر 150 ألف ليرة (24.5 دولارا) كنا ندفعها مقابل إيجار لشقتنا القديمة، وبهذا عدت أنا إلى بيت أهلي واستأجر هو برفقة أصدقائه شقة يتقاسمون إيجارها”.

أما دنيا (46 عاما) -متطوعة في منظمة الهلال الأحمر الإنسانية في حلب فتحكي عن واقع الفقر وسوء التغذية الذي تعتبره مهمشا إعلاميا وحكوميا بالقول: “نجوب مئات المنازل شهريا، ونشاهد مئات العائلات التي تعتمد في قوتها اليومي على الخبز وما تيسر من نشويات وسوائل ساخنة تمكنت من الحصول عليها إما شراء أو عبر السلال الغذائية. أما الأطفال فترى وجوههم مصفرة وشاحبة على الدوام، وغالبا ما يكونون بحاجة لفيتامينات لا تتمكن المنظمة من توفيرها بصورة مستمرة”.

وعن واقع معيشة تلك الأُسر ، تروي دنيا: “إن أي محاولة لاختزال المأساة التي تعيشها تلك العائلات ستكون مجرد كلام لا قيمة له، فمعظم تلك الأسر تنقص بيوتها أبسط الاحتياجات الإنسانية من طعام وبراد ومدفأة ومنظفات وغيرها، وما نقدمه نحن لهم لا يغطي إلا الجوانب الغذائية وبعض الجوانب الصحية، ومن المؤكد أن تلك الأسر لن تتمكن من شراء مدفأة بسعر ٤٠٠ الف ليرة (١٢٠ دولارا).

وتبقى المأساة الكبرى -بحسب دنيا- هي غلاء المواد الاستهلاكية والغذائية الرئيسية التي تصبح يوما بعد آخر حلما بعيد المنال بالنسبة إلى تلك العائلات، وهو ما ينعكس على أطفالهم الذين تظهر على معظمهم عوارض سوء التغذية.

في حين يشير تقرير لبرنامج الأغذية العالمي إلى أن 12.4 مليونا من السوريين يعانون انعدام الأمن الغذائي بزيادة قدرها 4.5 ملايين عن العام الماضي، وأن أسعار المواد الغذائية الأساسية في سوريا أعلى بمعدل 29 مرة من متوسطات ما قبل الأزمة.

وكشف تقرير للأمم المتحدة -مطلع العام- عن أن العائلة السورية بحاجة إلى مبلغ 234 دولارا لشراء المواد الأساسية من خبز وسكر وأرز وعدس وزيت، وهو ما يعادل 824 ألف ليرة سورية أي 10 أضعاف متوسط الرواتب في البلاد.

أما سعد العبيد -خبير اقتصادي من حلب- فيشير إلى أن الارتفاع الذي شهدته الأسعار خلال الأسابيع القليلة الماضية لا يعدو كونه نتيجة طبيعية لسوء الإدارة إذ “أدخلت الحكومة  ميزانيتها والمواطن في معادلة صفرية أو قل معادلة يخسر فيها الطرفان؛ ففي هذه المعادلة تضطر  الحكومة إلى الإبقاء على الدعم الحكومي لكثير من الأسر المستفيدة من الدعم من خلال البطاقة الذكية والتي أوقفت الحكومة الدعم عن عدد كبير من العوائل لمعظم المواد الاستهلاكية من محروقات ومواد غذائية من أجل الإبقاء على فعالية القوة الشرائية (الهزيلة أساسا) للرواتب، وهو ما يشكل ضغطا هائلا على الخزينة، في حين يبقى السوري في الطرف الآخر من المعادلة يجاهد طوال الشهر للتقتير والتوفير عبثاً؛ فالراتب لا يمكن أن يصمد في يد أيّ سوري لأكثر من 4 أيام”.

ويضيف سعد -في حديثه للسوري – “وهكذا ومع كل عجز في الموازنة وعدم القدرة على ضبط الأسعار في السوق، يضطر إلى رفع أسعار مواده المدعومة التي تؤدي بالتالي إلى ارتفاع الأسعار في السوق”.