لكل السوريين

فوضى أمنية وسياسية.. وغياب المشهد السوري لإيجاد الحل

حاوره/ مجد محمد

بعد أن غاب المشهد السوري عن المساعي الأممية لإيجاد حل، بدأت موجة تصعيد جديدة في الميدان تؤكد رغبة المتدخلين على استمرار المقتلة، رغبة روسيا بالتأكيد على أنها ما تزال الفاعل الأساسي المؤثر في سوريا رغم انشغالها بالدرجة الأولى بالصراع في أوكرانيا حاضرة وقوية من خلال عملياتها بالقصف على الغرب السوري، فيما يبدو أنها لا تنظر بارتياح إلى ارتفاع وتيرة العدوان التركي على الأراضي السورية، والتي تتم غالباً بمجرد الأخطار، أي دون تنسيق كافي معها، حيث تحاول أنقرة استثمار الظروف السياسية الراهنة لتحقيق جملة من الأهداف الاحتلالية، الجانب التركي أيضاً يصر على صب الزيت على النار في الملف السوري، كيف لا وهو المصر على التدخل السلبي بكل ما تحمله الكلمة من معنى، منذ سنوات سمة الملف السوري حالة من الفوضى الأمنية في معظم مدن وقرى البلاد، حتى تلك التي نجحت الحكومة السورية باستعادة السيطرة عليها من قبضة المعارضة في إعادة الأمن والحياة لهذه المدن بائت بالفشل في ظل غياب حل سياسي واضح وشامل، اليوم وفي ظل هذا التصعيد الميداني الحاصل يؤكد مراقبون إنه من المحتمل أن روسيا تنتهج أسلوب الضغط العسكري في محافظة إدلب التي تنتشر فيها القوات التركية بهدف التأثير على قرارات أنقرة السياسية عبر إعادة التأكيد على قدرتها على تهديد التواجد التركي في حال كانت لديها رغبة تعزيز والتنسيق والتعاون مع الولايات المتحدة الامريكية على حساب روسيا.

التصعيد يتواصل على العديد من المحاور في حلب بين قوات الاحتلال التركي وفصائله وقوات الحكومة السورية، بينما استمر قصف الطيران الحربي الروسي في إدلب للأسبوع الثاني على التوالي لتتزايد حدة التوتر في المنطقة، والجدير ذكره أنه منذ مطلع تموز الماضي تحول شرق سوريا إلى مسرح للتحركات الميدانية لمختلف الأطراف التي تتقاسم السيطرة هنا وهناك، ما أوجد إمكانيات حول وجود تصادم بالوكالة بين الأطراف المحسوبة على أمريكا والمحسوبة على إيران والحكومة السورية وحتى روسيا، وبين كل هذه المعطيات تواصل تركيا تنفيذ المزيد من الضربات العدوانية بالطائرات الحربية والمسيرات ضد مقرات ومنشآت وبنى تحتية حيوية في شمال وشرق سوريا، تعقيدات الملف السوري تفتح باب تدخل دولي متزايد لتستمر دول مثل روسيا وتركيا وإيران في التدخل في الصراع السوري، وهذا يمكن أن يعقد الوضع بشكل أكبر ويزيد من تعقيداته، بكل تأكيد تفتقر أجواء سوريا إلى حل سياسي ودبلوماسي يمكن أن يضع حد للصراع ويساهم في تحقيق الاستقرار في المنطقة، وذلك يتطلب تعاون دولي وجهود دبلوماسية مستدامة تستند إلى احترام حقوق الإنسان والعدالة، والأكيد أن كل مظاهر العنف سوف تبقى مستمرة في سوريا ما دامت البلاد غارقة في دوامات التسويف، حيث تؤكد عوامل عدة إلى غياب الحل السياسي لعل أهمها الاختلاف الكبير بين مواقف الأطراف السورية المتصارعة وعدم وجود ثقة أو توافق بينها على رؤية مشتركة لمستقبل سوريا.

وللحديث عن الفوضى الأمنية والسياسية ومنعها للوصول إلى حل سياسي، عقدت صحيفتنا حواراً مطولاً مع الأستاذ الحقوقي لواء الناصر، ودار الحوار التالي:

*أستاذ لواء مرحباً بك بداية، هل غاب المشهد السوري عن المساعي الأممية لإيجاد حل؟ وهل جمد الواقع على ما هو عليه الآن في ظل مناطق النفوذ المرسومة أم ماذا؟

اهلاً بك، في الحقيقة كل ما تدحرجت الأوضاع غاب المشهد السابق وبقي المشهد اللاحق في الصورة، المشهد الحقيقي في الساحة اليوم هو أحداث غزة ولذلك يمكن أن نتحدث عن أن المسألة السورية ابتعدت قليلاً لولا أن المتدخلين شاغلون المنطقة فروسيا تضرب في إدلب وتركيا تضرب في شمال وشرق سوريا، ولكن لا نرى إعلاماً موازياً وكافياً يستطيع أن يتحدث عن هذه المنطقة، في الحقيقة المسألة السورية غابت عن الإعلام لفترة طويلة، وبالتالي أيضاً جاءت أحداث غزة لتخفي أحداث سوريا تماماً، وهذا الأمر يجعلنا نتحدث عن غياب الإعلام الكافي لأن نكون نحن ما يصدر ما يجري في أرضنا ونتحدث عنه بشكل مطلق وعلانية كافية وبوصول كاف إلى كل أنحاء العالم، وبالتالي حتى أحداث أوكرانيا غابت عن الشاشة بسبب أحداث غزة.

*الفوضى السياسية والأمنية حتى في المناطق التي استردتها الحكومة من المعارضة، برأيك لماذا جمد الملف السوري على هذا الواقع، هل هي رغبة داخلية أم دولية وإقليمية؟

الأحداث في غزة اليوم وطوفان الأقصى وما نتج عنه من مجازر يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي ضد أهلنا في فلسطين، هذا ما جعل المسألة السورية تعود إلى الخلف دولياً وبالتالي هذا المشهد غاب عن الإعلام والملفات والأجندات الدولية، بما يتعلق في الفوضى التي سألتني عنها على ما أعتقد أن الفوضى بالأساس نبحث عن الأسباب المسببة لها، يعني إذا ما قارنت بما حدث في غزة فأن طوفان الأقصى جاء نتيجة لما عانته غزة من حصار اقتصادي بمعنى سجن مفتوح تحت السماء على مدار ١٤ عام، وبالمقابل ما يعانيه الشعب السوري سواء كان في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة أو الحكومة بطبيعة الحال لا تزال الحرب الإرهابية قائمة ولم يتم القضاء على جميع المجموعات الإرهابية وداعميها، وبالتالي أيضاً الحصار المفروض على عموم سوريا حتى لو إنه في بداية العام الحالي كان هناك انفتاح عربي على الحكومة السورية، وإنما هذا الانفتاح لم يترافق مع انفتاح اقتصادي، الشعب السوري اثقلت كاهله هذه العقوبات التي نالت من لقمة عيشه فبالتالي هذا أيضاً داخلياً.

*في ظل هذه المعطيات التي تحدثت عنها، ما هي الأسباب التي تمنع توافق السوريين أولاً على فكرة الحل السياسي ومن ثم المتدخلون الإقليمين والدوليين؟

عندما نتكلم عن أن الحل السياسي غائب فهذا تتحمله أولاً وأخيراً الحكومة السورية، وعندما نقول إن الحكومة تقاتل الإرهابيين فهيا من خلقهم وصنعهم أساساً وجندهم، بعد ١٣ سنة من الحرب السورية أصبح السوريين جميعهم غير قادرين على الحل وأصبح المشهد دولياً، والفاعلون في المشهد السوري هم من الأطراف الدولية التي تريد لهذه الحكومة الاستمرار بالسلطة للوصول إلى أمر يعدون له، من خلال استمرار هذا الحكم وضعفه بكل المجالات من أجل تقسيم سوريا، وهذا ما يرسم له وهذا ما يجعل الأطراف الدولية المتدخلة في سوريا يصرون على بقائها في سدة الحكم، وبالتالي المشهد الآن بسبب أحداث غزة وكذلك لأن الأطراف الدولية وعلى رأسها الكيان الصهيوني الذي يريد أن يبقى نظاماً ضعيفاً يأمنه على حدوده، والمشهد السوري بالأساس السوريين غير فاعلين فيه، فالمعارضة ضعيفة ولا يفكرون بشيء وفصائل متناحرة ووجود تركي همه الأساسي أن يبقى في الشمال السوري ووجود روسي مصلحته الأساسية أن يحافظ على مكتسباته في الجغرافية السورية وأمريكا تريد كذلك استمرار هذا الوضع، روسيا لم تستطع الدخول على سوريا أساساً لولا اتفاق مع أمريكا، فالجغرافية السورية محتلة من قبل عدة جيوش والوضع الاقتصادي مهترئ وباتت سوريا مرتع للمواد المخدرة فالكل يريد الحفاظ على مكتسباته ولا يسعى إلى الحل.

*هناك تصعيد حاصل في كل الجهات، كيف تتعامل الإدارة الذاتية مع كل هذه المتغيرات؟

الخريطة السورية هي موضع للصراعات بحكم دور سوريا كمنطقة استراتيجية هامة في العالم، وبعد الأحداث التي حصلت منذ عام ٢٠١١ كان هناك ضعف شديد، فالدولة لم تقوم بدور حقيقي لحل المشكلة والنظام بقي يمارس دوره الاستبدادي واعتمد الأسلوب العسكري الأمني، وبالتالي تشكل عن هذا الصراع داخل سوريا نفوذ كبير لكثير من الدول ساهم بتعزيز هذا الصراع وما زال يساهم في تأزيم الصراع لإيجاد دور له في هذه الكعكة السورية، أو دور في التفاوض على مصالح من خلال وجوده في سوريا كما تفعل تركيا وإيران وغيرهن، وبالنسبة للإدارة الذاتية خاصة التي كانت واحدة من المناطق التي تشكلت بها بكل سبل الديمقراطية من قبل الشعب والتي ما زالت تعاني من الهجمات التركية لأنه لولا الوجود التركي لاستطاعت أن تبرز نفسها في الحل السياسي في سوريا عالمياً، فدائماً ما كان هناك فيتو تركي لمنع الإدارة الذاتية في المشاركة بالحل السياسي مع المعارضة، فالإدارة الذاتية تقوم بأرسال الرسائل المستمرة عبر التواصل مع دول العالم والإقليم وتقديم المبادرات للسوريين كحل سياسي سوري يضمن الاستقرار للجميع وحلول لمشكلات كثيرة منها مشكلة المهجرين، كما بادرت الإدارة الذاتية عبر عدة بيانات تصدرها وقالت بأنها مستعدة لاستقبال كافة المهاجرين السوريين من كافة المناطق بمناطقها بشمال وشرق سوريا، فالإدارة الذاتية تحاول بناء مشروع سوري جديد تحاول أن تقوم به لحل المقتلة السورية لكن الظرف الخارجي وخصوصاً الاستهدافات التركية تمنعها من الاستمرار.

*ختاماً، في ذات السياق كلمة أخيرة تحب أن تضيفها، المجال مفتوح لك…

إذا كنا نتحدث عن الجلوس على طاولة الحوار فبين من ومن؟ حكومة دمشق لا تقبل الجلوس على الأطلاق، هو قبل بالقرار ٢٢٥٤ ووزير خارجيتها يقول إننا نفذنا هذا القرار بالانتخابات، والمعارضة من طرف آخر هل الائتلاف هو يمثل الشعب السوري؟ وهل الإدارة الذاتية تمثل كل الشعب السوري، هنا نحن مشتتون كمعارضة ونظام لا يمكنه أن يحدد ماذا يريد، فهو يريد البقاء في السلطة ولو حكم قصر المهاجرين فقط، فالاجتماع على طاولة حوار هو صعب جداً وأصبحنا للأسف بعد ١٣ سنة فاقدين الإرادة بأن نفعل شيء لوطننا، وأصبح الغرب والشرق هم من يتحكمون بواقعنا وهذا أمر سيستمر على ما أعتقد إلى أن ينتهي هذا النظام، ولكن كيف سينتهي حالياً لا أدري، فالمعارضة بوضعها المشتت وغير الفاعل ليست قادرة على إسقاطه، وكذلك غياب الإرادة الدولية بأن تنتهي مأساة السوريين، فنحن الآن أمام واقع لا أحد يستطيع أن يتخيل كيف سينتهي.