حاوره/ مجد محمد
شهدت الساحة السورية مؤخراً تطوراً بارزاً، تمثل في إعلان الولايات المتحدة الأمريكية عن رفع جميع العقوبات المفروضة على سوريا، في قرار مفاجئ أعلنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال زيارته إلى المملكة العربية السعودية في أيار/مايو 2025، قائلاً إن القرار جاء استجابة لطلب مباشر من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ما يسلّط الضوء على دور سعودي محوري في هذا التحول الدبلوماسي.
وفي ظل هذه الخطوة المثيرة للجدل، وما أثارته من تساؤلات حول تداعياتها السياسية والاقتصادية والإنسانية، أجرت صحيفتنا حواراً مطولاً مع مهند العيسى، الحقوقي والباحث في الشؤون القانونية والسياسية، للوقوف على خلفيات هذا القرار وتأثيره المحتمل على مستقبل سوريا، لا سيما في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد منذ أكثر من عقد من الزمن.
بدايةً ما هي طبيعة العقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا؟
العقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا هي سلسلة من الإجراءات الاقتصادية والسياسية التي تم فرضها على الحكومة السورية، ومؤسساتها، وكذلك على عدد من الشخصيات المقربة من النظام، وذلك على خلفية ملفات متعددة تتعلق بحقوق الإنسان، قمع الحريات، الانتهاكات بحق المدنيين، والتدخلات الإقليمية، خصوصاً من خلال التحالف مع إيران وروسيا.
من أبرز هذه العقوبات هو ما يُعرف بـ”قانون قيصر”، والذي تم اعتماده في عام 2019، وقد مثّل مرحلة تصعيد كبيرة في الضغط الأمريكي على دمشق، إذ يمنع القانون أي دولة أو جهة أو شركة من التعامل تجارياً مع الحكومة السورية تحت طائلة التعرض لعقوبات أمريكية.
كما تشمل العقوبات حظراً شبه كامل على القطاع النفطي السوري، مما أدى إلى شلل شبه تام في إمكانيات التصدير والإنتاج، فضلاً عن عقوبات مالية تمنع التعامل مع البنوك السورية أو إدخال الأموال من الخارج، إضافة إلى عقوبات على شركات الطيران والنقل البري والبحري، وكل من يتعامل مع المؤسسات الحكومية السورية.
اللافت أن العقوبات لم تستثنِ حتى بعض أشكال الدعم الإنساني، مما زاد من تعقيد الأوضاع، لا سيما في ظل الأزمة الاقتصادية والإنسانية المتفاقمة.
في ضوء هذا القرار الأمريكي برفع العقوبات، ما التأثيرات المحتملة على الاقتصاد السوري؟
رفع العقوبات قد يشكّل تحولاً جذرياً في المسار الاقتصادي السوري إذا ما تم تطبيقه فعلياً وبشكل كامل.
أولاً، من المتوقع أن يؤدي إلى تحسّن في العلاقات التجارية بين سوريا وبقية دول العالم، الأمر الذي يمكن أن يسهم في فتح أبواب الاستيراد والتصدير مجدداً، خصوصاً للسلع والمواد الأساسية والنفط، والتي كانت تعاني البلاد من شحٍّ حاد فيها.
ثانياً، رفع العقوبات قد يُعيد الثقة إلى البيئة الاستثمارية داخل سوريا. طيلة سنوات الحرب والعقوبات، عانت البلاد من عزلة شبه تامة جعلت من الصعب جذب رؤوس الأموال، سواء المحلية أو الأجنبية. أما اليوم، فمع زوال بعض العوائق القانونية العالمية، قد نرى عودة تدريجية للمستثمرين، لا سيما في قطاعات حيوية كالبناء، الزراعة، الصناعة، والنفط.
ثالثاً، القطاع المصرفي سيستفيد بشكل مباشر. فالعقوبات كانت قد شلّت حركة التحويلات المالية، وعرقلت إمكانية التعامل مع النظام البنكي العالمي. ومع رفعها، يمكن أن تعود البنوك السورية للعمل بحرية نسبية، مما يسهل عمليات الاستيراد والتصدير، ويعيد الروح للقطاع الخاص.
رابعاً، من الناحية الاجتماعية، فإن رفع العقوبات قد ينعكس إيجابًا على الأسعار، التي ارتفعت بشكل جنوني خلال السنوات الماضية. توفر السلع، وتحسّن سلاسل الإمداد، من شأنه أن يُحدث نوعاً من التوازن في السوق، وبالتالي انخفاض تدريجي في الأسعار، خصوصاً للمواد الغذائية والدوائية.
ولكن لا بد من الإشارة إلى أن هذا التحسن لن يكون تلقائياً أو سريعاً. فهناك عوامل داخلية لا تقل أهمية، مثل قدرة الحكومة على استثمار هذا الانفتاح بشكل مسؤول، ومحاربة الفساد، وضمان الشفافية في التعاملات.
هل تعني هذه التغيرات المحتملة أن مستوى المعيشة للمواطن السوري سيتحسن فعلاً؟
نعم، هناك احتمال كبير لتحسن مستوى المعيشة، ولكن يجب ألا نُبالغ في التوقعات.
من الناحية النظرية، فإن رفع العقوبات سيساعد في استقرار الأسعار، وتحسين توفر المواد الأساسية، وعودة الاستثمارات، وكل ذلك ينعكس على حياة المواطنين.
لكن من الناحية العملية، ما زلنا أمام عدد من التحديات الجسيمة التي تعيق هذا التحسن، وأبرزها الدمار الهائل في البنية التحتية، والفساد المستشري في مؤسسات الدولة، وضعف القدرة الإدارية لدى العديد من الهيئات الحكومية، فضلاً عن استمرار بعض العقوبات الدولية التي قد لا تُرفع في المدى المنظور.
كما أن التعافي الاقتصادي يتطلب وقتاً طويلاً، وخططاً استراتيجية مدروسة، وهذا ما نفتقر إليه حتى الآن. لذلك، من المرجّح أن يكون التحسن تدريجياً، وقد لا يشعر به المواطن في الأشهر الأولى بعد رفع العقوبات.
هل يمكن أن يؤثر رفع العقوبات على طبيعة العلاقات بين سوريا والغرب؟
بالتأكيد، يمكن لرفع العقوبات أن يشكّل بداية لتحسّن تدريجي في العلاقات بين سوريا وبعض الدول الغربية، لكنه لن يكون تحسنًا كاملاً أو سريعًا.
الغرب، وبالذات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ربطوا مسألة تطبيع العلاقات مع الحكومة السورية بجملة من الشروط، منها الإصلاح السياسي، وقف انتهاكات حقوق الإنسان، والتوصل إلى حل سياسي شامل للأزمة السورية تحت مظلة الأمم المتحدة.
رفع العقوبات قد يُفهم على أنه بداية لتليين المواقف، وفتح قنوات للحوار السياسي والدبلوماسي، وقد يُساهم في بناء الثقة، لكنه لا يعني أن العلاقات ستعود إلى طبيعتها في وقت قريب.
كما أن مصالح الدول الغربية ليست متطابقة فيما بينها، فبعضها قد يدفع نحو الانفتاح، بينما يفضل البعض الآخر الإبقاء على سياسة الضغط، خصوصاً في ظل التجاذبات الدولية المرتبطة بالملف السوري، والتدخلات الإقليمية من قبل قوى مثل إيران وروسيا وتركيا.
أخيراً، هل تعتقدون أن المواطن السوري العادي سيشعر بالفرق بعد رفع العقوبات؟
من الناحية الواقعية، نعم، المواطن السوري قد يشعر ببعض التحسن في حياته اليومية، خاصة من جهة الأسعار وتوفر المواد الغذائية والطبية.
إحدى أبرز نتائج العقوبات خلال السنوات الماضية كانت التضخم الحاد، وندرة السلع، وارتفاع أسعار كل شيء، بما في ذلك المواد الأساسية. فإذا تم فعلاً رفع العقوبات، وبدأت حركة التجارة والاستيراد بالتحسن، فإن ذلك سينعكس على الأسواق، وعلى حياة الناس بشكل مباشر.
لكن لا بد من التحذير من الإفراط في التفاؤل، فالمواطن السوري لا يحتاج فقط إلى توفر السلع، بل يحتاج إلى دخل يوازي هذه التكاليف، وهذا يتطلب خلق فرص عمل، وتنشيط الاقتصاد، وهو ما لن يحدث بين ليلة وضحاها.
لذلك، يمكن القول إن التحسن الملموس سيتطلب وقتاً، وجهوداً حقيقية من الدولة والمجتمع، ومشاركة من القطاع الخاص والمجتمع الدولي، وإلا فإن نتائج رفع العقوبات قد تظل محدودة، أو تذهب في غير اتجاهها الطبيعي بسبب الفساد وسوء الإدارة.