لكل السوريين

درس عالم اللون واستخرج ألواناً جديدة التشكيلي موسى الحمد: الفنان السوري مسكون بالهم!

*اللون حالة بصرية للعين ترى كل شيء أمامها.. ولا جمال دون ألوان

*اطلع على المدارس الفنية الحديثة والقديمة.. ونسخ بعض اللوحات وتعلّم من هذه التجربة

* الحمد فنان قلق وحائر يبحث عن ذاته بين عجائن الألوان ومتاهات الخطوط.

تنتمي لوحاته إلى حداثة فنية تمتد إلى أكثر من جسر إلى التراث الزخرفي الإسلامي

 

عبد الكريم البليخ

تراه باحثاً عن اللون في معظم أعماله الفنية التي تجسّد الواقع الذي يعيشه، والتي تحاكي الطبيعة وسحرها وبشكل طاغ، وهو كما يؤكد الفنان ليوناردو دافنشي: “إنَّ الطبيعة لطفت بنا؛ لأنها جعلتنا نعثر على المعرفة حيثما أدرنا وجوهنا”، أي أننا نتعثر بالجمال، ويشير إلى ذلك أيضاً الفنان الفرنسي غوستاف كوربيه: “الطبيعة هي المعلم الأول”، وهو هنا تراه أكثر ما يهتم بالألوان وعشقه الدائم لها، فترى أنَّ أغلب أعماله تطرح أفكاراً لا يمكن للون أن يغيب عنها، وأكثر ما يقصد في الطبيعة التي يفضلها في كثير من أعماله التي تعيش في وجدانه، وفي ضميره باحثاً في ذلك عن اللون، المساحة، الحركة، وهي مكوّنات اللوحة بالنسبة للفنان التشكيلي  ابن الفرات موسى الحمد. وهذه مجتمعة لا بدَّ أنها تكشف لنا عن أسرار الطبيعة وما تخبئه لنا، وأكثر ما يهتم به الجمال والمتعة وهو ما يبحث عنهما، وهذا ما نجده في لوحاته من خلال الطبيعة وما تفيضه حركتها، وتجسده إيقاعاتها الموسيقية وسيمفونياتها اللونية، محاولاً صياغة ذلك وفق رؤيته الخاصة به.

 

لا جمال دون ألوان

اللون بالنسبة له هو يعكس حالة عشق صوفية، وهو المتنفس الوحيد الذي يرى من خلاله العالم لينقله بصورة أبهى وأعمق وأجمل. واللون لوحده يشكل حالة بصرية للعين التي ترى كل شيء أمامها، وتميز ـ بالتالي ـ الألوان، ولا جمال دون ألوان.

إنَّ لوحات الفنان موسى الحمد تضجّ بالألوان وخطوط الطبيعة، وهي قريبة إلى التجريد، وكل ذلك تصوير واقع الطبيعة في وادي الفرات، فضلاً عن الأشكال الهندسية التي تجسّد واقع التراث الفراتي على وجه التحقيق. الفنان التشكيلي موسى الحمد، أكثر ما هو شخصية قلقة، حائرة تبحث عن ذاتها داخل الألوان، كما يقول عنه الفنان التشكيلي فواز اليونس، ابن الفرات الذي تعلم على يديه كثير من الفنانين الذي أصبحوا فيما بعد من شيوخ الكار، وأبدعوا في هذا الميدان، ومن بينهم الفنان التشكيلي الشاب.

موسى الحمد الذي نحاول أن نقف معه، ويحدثنا عن أهمية اللوحة وماذا تعني الألوان بالنسبة له؟

مع بداية نشأته اختير كأبرز الفنانين في مجال الرسم، وهو طالب في المرحلة الابتدائية، وبعدها اتبع دورة في مجال الرسم، وانتهت الدورة بإقامة معرض فني شارك فيه عدداً من الطلاب، وفي المرحلة الإعدادية أرشده أحد المدرسين إلى مركز الفنون التشكيلية لبلورة موهبته وصقلها.

في العام 1982 وبعد قضاء فترة ثلاث سنوات تخرج من معهد الفنون التشكيلية بدرجة امتياز، وقد تعلم الكثير من قواعد الرسم الأساسية على يد الفنان الكبير والمعلم فواز عويد خليل، أو ما يعرف بـ فواز يونس. وكان مركز الفنون التشكيلية بالرّقة عبارة عن كلية فنون مصغرة، وبعد تخرجه من مركز الفنون شق طريق الفن بنفسه وراح يطلع على أعمال كبار الفنانين في العالم، ونسخ بعض اللوحات، وتعلم من هذه التجربة، كما اطلع الفنان على المدارس الفنية الحديثة والقديمة، وقرأ عن حياة الفنانين المعروفين في العالم.. فضلاً عن أنّه عمل على دراسة عالم اللون ومزجه واستخراج ألوان جديدة.

كل هذا أضاف إلى تجربته الفنية الكثير من المعرفة واكتساب الخبرة الفنية والمهارة في الرسم.

 

حالة متفرّدة

وللفنان تجربة خاصة في الفن التشكيلي، إذ يعتمد الفنان الرسم بالفرشاة وشفرة المشرط في أعمال الباستيل، وسكين الرسم في الأعمال الزيتية. نال الكثير من الشهادات التقديرية، وله الكثير من الكتابات في النقد الفني. كما كتبت عنه كثير من الصحف السورية، وبعض الدوريات العربية وأجهزة الإعلام، وعبر صفحات التواصل الاجتماعي. له الكثير من المقتنيات في الدول العربية والأجنبية، وسبق أن شارك في أكثر من خمسة وثلاثين معرضاً فردياً وجماعياً، موزعة في الصالات العربية والأجنبية. عضو مؤسس لتجمع توتول الفني في الرّقة، وهو المسؤول عن معارض هذا التجمّع وتنسيقها. رسم أكثر من ثلاثمائة لوحة عن الفرات مأخوذة من بيئة الفرات. كما رسم الكثير من العادات والتقاليد التي تخصّ الرّقة. مرّ الفنان بعدّة مدارس منها الواقعية والتجريدية والرمزية والانطباعية، وأحياناً يمزجُ بعضها مع بعض، أي اختيار شيء جميل من مدرسة ما وتوليفها بمدرجة جديدة تُسمى الانتقائية.

وعن علاقة الفنان مع نهر الفرات وارتباطه به، قال: رصد الفنان التشكيلي موسى الحمد طبيعة الفرات وشواطئها من خلال سفينة يدوية على طول سرير النهر لمسافة خمسين كيلو متر، كما استطلع على المناظر الطبيعية لنهر الفرات ومنطقة الكسرات من سفوح جبال الرّقة الى المنخفضات، وهذا ما يسمى بمنظور عين الطائر. وزار قرى الرّقة والبادية وغيرها ما يعني أنها شكلت بالنسبة له انطباعات وتصورات جديدة باتجاه الفن، وتقديم هذه التصورات. إما من خلال الرسم مباشرة، أو من خلال ما كان يتخيله لتلك الطبيعة والعادات والتقاليد وغيرها. وإن هذا المخزون في التصورات وتطوير الأعمال برؤية غير مألوفة وخبرته في عالم ومعرفته في عالم الفن أضافت له الكثير وخاصة البصمة الفنية أو الأسلوب الذي لا ينسب له، أي يمكن أن تعرف إهماله بدون التوقيع عليها.

لقد خبر الفنان أسرار الطبيعة والفن، والمزاجية والارتجال والتكنيك والحرية والمرونة في الرسم. وهذا ما قاده إلى حالة التفرد عن زملائه الفنانين في الرّقة.

 

المرأة في أعماله

وعن حضور المرأة في أعمال الفنان التشكيلي موسى الحمد، قال: للمرأة الفراتية حيّز كبير في لوحاته الكثيرة، حيث رسم المرأة في كل المواقع، ودرس لباسها وعملها وما تقوم بها في حياتها اليومية. وقد رسمها بأسلوب واقعي، ومن أهم اللوحات على سبيل المثال، المرأة التي تخبز على الصاج، والورّادة على نهر الفرات، ولوحة قطاف القطن، والمرأة التي تحمل الطفل في كارتها، وحوار النساء في الطبيعة، وتلك المرأة تحلبُ الدواب، وتلك التي تتأمل الأحلام من خلال الوردة وغيرها.

كما توقف الفنان عند رسم لوحات من البادية، والقبب الطينية المعروفة في منطقة الفرات. وتطرق أيضاً لمواضيع تهتم بالمفردات التراثية القديمة، حيث تناولها بحداثة فنية ومزيج متداخل يعكس نظرة الفنان وما يتصوره أو يتخيله لهذا التركيب المتقن، حيث أبدع بتكوين وجمال ألوانها. ومن هذه الأعمال التي لاقت اهتماماً وذوقاً رفيعاً لوحة تحكي عن الربابة، وأخرى عن الفانوس، والبيت القديم، وتطريزات تتضمن فيها أشكالاً هندسية ونباتية وغيرها.

ومن الإنجازات التي عمل عليها في الفن التشكيلي، قال: لقد نشّط الحركة التشكيلية بالرّقة، وخاصة تجمّع توتول الذي ما زال يديره. كما عمل لوحات عن الانتفاضة، وذهب ريعها لصالح القضية الفلسطينية. وعمل على إقامة مجموعة معارض مع زملائه في تجمّع توتول، وذهب ريعها لصالح صديقنا الذي أصيب بمرض السرطان تم توفي لاحقاً. كما عمل على تعليم الأطفال للرسم ما دون العشر سنوات ولمدة شهرين، ودرّب الفئة الشبابية لتعلم الرسم فوق الخمسة عشر عاماً، ونجح بكل مشاريعه التي يعمل عليها بجدية، وكان النجاح دائماً نصب عينيه.. ومن الأعمال التي قام بها أيضاً رسم الكثير من اللوحات الجدارية في مدينة الرّقة.

 

شخصية فنية قلقة

وعن الأعمال التي شارك فيها الفنان الحمد، وبصورة خاصة معرضه الذي أقيم في معهد  ثربانتس الإسباني بدمشق حيث يقول: في بحور الألوان وخضمّها ومتاهات الخطوط ومساراتها وعبثية الأشكال وفوضويتها يسبح موسى الحمد مناضلاً ضد التيار. حائراً بين شطآن كثيرة. كل منها يغريه بالدنو منه والرسو فيه والتزوّد من معينة بضمّة من جمال، وعبق من شذى وعصارة من لون. ترى هل سيجد موسى الحمد مرساة أخيراً أم أنه سيظل مرتحلاً في لُجج الألوان وعجائنها مسافراً عبر خطوطه اللانهائية. راسماً أشكالاً واقعية أحياناً وأخرى تجريدية وفوضوية عبثية تلقائية. ومن خلال استقرائي لبعض أعماله وجدتني حائراً بين لوحات استعارة من جمالها، فزغردت ألوانها وتلاشت خطوطها، وصهلت أشجارها وزهورها في أجواء كرنفالية تعجّ بالألوان وتزخر بالمتناقضات، ولكنها مصرّة على السير معاً، لتغري المشاهد بالاقتراب منها والدخول إلى عوالمها والتلذّذ بمباهجها. لتذكرنا بعوالم الانطباعيين المتأخرين، وأخرى تشابكت خطوطها، وتقاطعت أشكالها وامتزج التشخيص بالتجريد فيها في قوالب رياضية أحياناً وعبثية فوضوية أحياناً أخرى، تنمّ عن رغباته المكبوتة، لعلي لا أغالي إن قلت إنني أمام شخصية فنية قلقة حائرة تبحث عن ذاتها بين عجائن الألوان ومتاهات الخطوط.

 

مسكون بالهمّ!

وقال عنه الفنان التشكيلي والناقد صفوان فرزات:

الفنان موسى الحمد يجسد الطبيعة مثال قصيدة جميلة، مفرداتها الألوان.. وأراد الفنان لأعماله أن تكون جزءاً من ذاكرة المشاهد، ومعزوفة موسيقية تداعب الإحساس وتنشد الحلم. هذا التأليف المنسجم والمتناغم بتقديري جاءا نتيجة البحث المستمر في عالم اللون وخصوصيته المؤثرة. الباحث في منظومته اللونية لا بد أن يكتشف حرص الفنان على اشتقاقات لونية جديدة، فيها الكثير من الشفافية والدعوة إلى التعمّق والتأمل.

أما الدكتور النحات والناقد محمود شاهين، عميد كلية الفنون الجميلة في دمشق، قال: إنّ لوحات الفنان التشكيلي السوري موسى الحمد تنتمي إلى حداثة فنية تمتد إلى أكثر من جسر إلى التراث الزخرفي الإسلامي، وفي لوحات غنية بأشكالها وألونها ومدلولاتها من الإشارات والرموز. وتنم على ثقافة صاحبها البصرية واطلاعه المكثف على التجارب العالمية في التصوير الحديث.

ومن أبرز خصائص تجربة الفنان موسى الحمد، التململ الواضح فيها، ورغبة المواءمة والتوفيق بين معطيات تراثية محلية ومعطيات التصوير العالمي الحديث. وهي الإشكالية. الهم الذي يؤرق عمل الفنانين العرب على امتداد ساحاتهم، ومنهم الفنان التشكيلي السوري المسكون بهذا الهم!