لكل السوريين

تحذيرات من خروج سد الفرات عن الخدمة بشكل نهائي

تتصاعد التحذيرات في شمال وشرق سوريا من خروج سد الفرات عن الخدمة بشكل نهائي، نتيجة التراجع الخطير في منسوب المياه الواردة من الجانب التركي. وأشارت تقارير فنية إلى أن السد فقد أكثر من 7 أمتار من مخزونه، وهو ما بات يهدد حياة ملايين السكان على ضفاف نهر الفرات، ويُنذر بانهيار وشيك لمنظومة المياه والطاقة والغذاء في المنطقة.

وتحمّل الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا الدولة التركية مسؤولية الأزمة، نتيجة مواصلتها حبس مياه نهر الفرات ومنع تدفقها باتجاه الأراضي السورية والعراقية، مما دفع هيئة الطاقة إلى استنزاف المخزون الاستراتيجي لبحيرة السد لتلبية الاحتياجات الضرورية للسكان، في ظل غياب أي حلول بديلة.

وقال عماد العبيد، الإداري في إدارة السدود بإقليم شمال وشرق سوريا، إن بحيرة الفرات تشهد انخفاضاً غير مسبوق في منسوبها، موضحاً أن كميات المياه الواردة من تركيا تقلصت إلى نحو 250 متراً مكعباً في الثانية فقط، مقارنة بـ 500 متر مكعب وهو المعدل الطبيعي المتفق عليه في الاتفاقيات الدولية.

وأكد العبيد أن الجزء الأكبر من هذه الكمية يذهب هباءً، حيث تُقدّر نسبة التبخر وحدها بنحو 80 متراً مكعباً في الثانية، فيما يتم سحب 70 متراً مكعباً لري حلب عبر محطتي الخفسة والبابيري، إضافة إلى سحب كمية مماثلة عبر قناة البليخ.

ويبلغ المنسوب الأعظمي لبحيرة الفرات في الظروف الطبيعية 304 أمتار، وتصل سعتها التخزينية إلى 14 مليار متر مكعب. وتستند سوريا في مطالبها المائية إلى اتفاقية أُبرمت في 17 تموز 1987 مع تركيا خلال فترة ملء سد أتاتورك، تعهّدت فيها أنقرة بضخ ما لا يقل عن 500 متر مكعب في الثانية عند الحدود السورية، كما جرى توزيع الحصص بين سوريا والعراق وفق اتفاقية 1989 بنسبة 42% للأولى و58% للثانية.

وأشار الإداري في إدارة السدود إلى أن السد بلغ المستوى الحرج بعد فقدان أكثر من 7 أمتار من منسوب البحيرة، حيث تم استهلاك ما يقارب 80% من المخزون الاستراتيجي، ولم يتبقَ سوى القليل قبل بلوغ “المنسوب الميت”، ما يعني توقف السد عن العمل كلياً سواء في توليد الطاقة أو دعم القطاع الزراعي.

ويُعد سد الفرات مصدراً رئيسياً للطاقة في شمال وشرق سوريا، إذ تصل قدرته الإنتاجية إلى 880 ميغاواط في الظروف الطبيعية، عبر ثماني مجموعات توليد بقدرة 110 ميغاواط لكل منها. غير أن الانخفاض في المنسوب المائي تسبب بانخفاض الإنتاج إلى نحو 440 ميغاواط فقط، وسط توقعات بتوقف شبه كامل في حال استمرار الوضع الحالي.

وأكد ماجد العبدو، الرئيس المشترك لهيئة الطاقة في مقاطعة الطبقة، أن انخفاض تدفق المياه أدى إلى تقليص ساعات تشغيل الكهرباء بشكل كبير، مشيراً إلى أن الهيئة، بالتعاون مع إدارة السدود، وضعت برامج استراتيجية لتقنين الاستهلاك، بهدف الحفاظ على ما تبقى من منسوب البحيرة.

وأضاف أن ساعات التشغيل التي كانت تبلغ 16 ساعة يومياً في مطلع العام، انخفضت إلى أقل من 10 ساعات، ومن المحتمل أن تنخفض إلى أقل من 4 ساعات يومياً في الفترة المقبلة، إذا لم يتم تدارك الموقف.

وتطرق العبدو إلى اتفاق تفاهم سابق جرى بين هيئة الطاقة في الإدارة الذاتية ووزارة الطاقة في الحكومة السورية الانتقالية، لتعزيز التعاون المشترك وحماية سد الفرات، لكنه لم يُفعّل حتى الآن، رغم الحاجة الملحة والتدهور المتسارع في الوضع المائي والكهربائي.

وفي الجانب الزراعي، حذر أحمد العبد، الرئيس المشترك للجنة الزراعة والثروة الحيوانية في مقاطعة الطبقة، من تداعيات كارثية على الزراعة والثروة الحيوانية، بسبب الانخفاض الحاد في مياه نهر الفرات، والذي أدى إلى خروج مساحات واسعة من الأراضي عن الخدمة.

وأكد العبد أن أكثر من 60% من الأراضي الزراعية المروية من الفرات تعرضت للضرر، كما تأثرت المياه الجوفية بشكل سلبي، لافتاً إلى أن مشاريع ضخ المياه التي كانت تعمل على مدار الساعة باتت تقتصر حالياً على 12 ساعة، ومن المرجح أن تنخفض إلى 6 ساعات قريباً.

وأضاف أن هذا التراجع تزامن مع ظروف مناخية قاسية، ما أثّر سلباً على إنتاج المحاصيل الزراعية، في مؤشر على فشل مرتقب للموسم الزراعي الصيفي. كما لفت إلى نفوق أعداد كبيرة من الأبقار والأغنام بسبب قلة المياه، الأمر الذي تسبب باضطرابات في حياة المزارعين وارتفاع وتيرة الهجرة من الأرياف إلى المدن أو إلى خارج البلاد.

وكان وزير الموارد المائية العراقي، عون عبد الله، قد أعلن في 24 أيار الماضي، عن التوصل إلى اتفاق مع تركيا لإعادة كمية المياه إلى المعدل المتفق عليه (500 متر مكعب في الثانية)، إلا أن أنقرة لم تلتزم بذلك، وسط صمت مطبق من الحكومة السورية الانتقالية، رغم تعاظم حجم الكارثة التي تهدد أرواح ملايين السوريين.

وتطالب المؤسسات المحلية والهيئات المدنية في شمال وشرق سوريا بضرورة تدخل دولي عاجل، والضغط على تركيا للوفاء بالتزاماتها الدولية وفق القانون الدولي الإنساني واتفاقيات تقاسم مياه الأنهار، ودرء الخطر المحدق الذي يهدد الأمن المائي والإنساني في المنطقة.

- Advertisement -

- Advertisement -