حمص/ بسام الحمد
في عصر “اجتياح” التكنولوجيا الرقمية، أصبح الأطفال المشاهير على منصة يوتيوب تحديداً ظاهرة متزايدة، حيث يجذبون ملايين المتابعين من الأطفال حول العالم.
وأصبحت هذه الظاهرة تؤثر على سلوك الأطفال وتصوراتهم الذاتية، ويقول أحدهم “فقدت السيطرة على طلبات ابني، أصبح يريد علامات تجارية معيّنة، ومشاوير معينة، وشعرت بالعجر أمام طلباته، وأيضاً شعرت بالفشل في تربيته، وحتى أصدقاؤه يتذمرون من التصنّع الذي يعيشه”.
وتقول إحدى الأمهات “منعت ابنتي تماماً من مشاهدة هذا المحتوى، لكنّني ما زلت أعاني لأعاود غرس القناعة مرة أخرى في حياتنا، حيث إنها أصبحت تعبر عن انزعاجها من البيت وغرفتها وألعابها وحتى طريقة تواصلي معها، فهي تريد تلك الحياة التي تراها مثالية”.
وتضيف أن ” الأمر لم يعد يتعلق بالتأثير الصحي (الجسدي) على طفلتَي، بل وصل إلى أساسيات تربوية ونفسية، من ضمنها شعورهما بأنّ حياتهما ناقصة، وشعوري أنا بالذنب”.
وحول الحلول تقول سوزان “أصبحت أتابع مع طفلتَي كل ما يشاهدانه تقريباً، وأحاول شرح الزيف في هذه المقاطع وأنها تجارية وغير حقيقية، وأعوّض بنشاطات عائلية صادقة، لكنّها تستوجب مجهوداً كبيراً مني”.
يومياً تتزايد الضغوط التي يواجهها الأطفال العاديون لتقليد حياة الأطفال المشاهير التي تبدو مثالية على الإنترنت، مما قد يؤدي إلى شعورهم بالإحباط وعدم الرضا عن حياتهم، كما يسهم هؤلاء المشاهير في تعزيز النزعة المادية من خلال ترويج المنتجات.
الأمر الذي تؤكده أخرى وتقول “تحوّل أطفالي إلى أطفال لا يهمهم سوى المال تقريباً، ويسعون لإنتاج محتوى على الإنترنت، ليكونوا أثرياء، ويصابون بالإحباط إن لم يحظوا بـ”لايكات” وإعجابات كما تمنوّا”.
وتضيف: “وبالطبع لا يمكن أن أنسى الأثر الأخلاقي والديني، فكثيراً ما لاحظت تمرير أفكار تتعلق “بالجنس” في هذا المحتوى، الأمر الذي جعلني أستنفر تجاه قيم ومبادئ أطفالي، حيث إنهم يعتبرون هذه البرامج قدوتهم ومثلهم الأعلى”.
في ظل هذه التأثيرات، يبرز دور الأهل في مراقبة المحتوى الذي يشاهده أطفالهم، وفتح حوار مستمر معهم لتوضيح الفرق بين الواقع والمحتوى الرقمي، فتقول أم لثلاثة أولاد “لا أواجه مشكلات من هذا القبيل مع طفلي، وأقوم بحذف القنوات التي لا أراها مناسبة تباعاً، وغالباً ما نشاهد معاً المحتوى على يوتيوب”
وتضيف: “رغم ذلك يتسرب شعور بالنقص لدي أنا والدته عندما أشاهد الحياة التي تطرحها هذه البرامج، خاصة أنني لا أستطيع تأمين كل ذلك”.
وتقول مستشارة أسرية ومختصة بقضايا المرأة والطفل إنّه ” علينا بداية تفنيد المخاطر النفسية التي تواجه الطفل المشهور”، وتجد أنّ شهرة الأطفال توازي عمالة الأطفال إلا أنها أخطر على صحتهم الجسدية والنفسية.
وتضيف: “يتخبط الطفل عندما يكون لديه دخل مادي كبير في عمر صغيرة، كذلك يفقد خصوصيته، ويكون عرضة للتنمر المكثّف، وغالباً لا يكون قادراً على التعامل مع هذه الشهرة.
وترى الاختصاصية أنّ الأطفال المشاهير يعانون من التوقعات العالية من الأهل ولا يعيشون حياة طبيعية إطلاقاً، ما يحرمهم من طفولتهم بطبيعة الحال، كذلك تسهم الشهرة في تشويه تقديرهم لذاتهم وربط قيمتهم بعدد الإعجابات”.
أمّا بالنسبة لتأثير هذه الظاهرة على الأطفال المتابعين، فتقول “ممكن أن يصبح الطفل غير واقعي ومتطلّب ويستمد تقديره لذاته من خلال الآخرين ويحزن بسبب ضعف التفاعل مع ما يقدمه أو يضعه على منصات التواصل الاجتماعي، وبالطبع يفقد الرضا والقناعة”.
وتؤكد من جهتها، على ضرورة توجيه الأطفال كـ “صانعي محتوى” أمام وخلف الشاشات، وأن يكون المحتوى علمياً ويضمن استفادة الطرفين، خاصة أننا لا نستطيع إنكار دور وسائل التواصل الاجتماعي في النجاح اليوم.
وفي ظل الضغط المتزايد لسلطة مواقع التواصل الاجتماعي تنصح ” بمراقبة المحتوى الذي يشاهده الطفل، ووضع حدود واضحة للوقت، وتعزيز وعي الأطفال النقدي من خلال تعليمهم كيفية التمييز بين الواقع والمحتوى الرقمي المصطنع، ومناقشة الطرق التي تُظهر حياة الأطفال المشاهير بشكل غير واقعي”.