لكل السوريين

الاتصالات.. القطاع الأقوى من حيث البنى التحتية في سوريا

في اليوم التالي لسقوط نظام الأسد، قامت شركة الاتصالات “سيرياتل” بالتعديل على شعارها كتعبير عن تبنيها للتغير الحاصل في البلاد مع سقوط نظام الأسد، عبر استبدال علم سوريا السابق بعلم الثورة السورية الأخضر.

بالتأكيد إن التغير حالة رمزية قوبلت بالترحيب، ولكن هل فعلاً التغيير للأخضر يعني أن التفاصيل البنيوية للشركة كمساهمتها بالتجسس على السوريين لصالح النظام تغيرت؟

أيضا ما الذي يضمن سلامة الشبكة من الوصول لغايات تجسسية إن كان لصالح النظام السابق، أو الدول الداعمة له أو حتى حكومة تصريف الأعمال الموجودة حالياً.

البنى التحتية السورية للاتصالات متمثلة بشركات القطاع الخاص والحكومية كانوا أدوات فاعلة لقمع السوريين، وعليه من الضروري التأكد من عدم السماح باستمرار حالة التجسس التي كانت موجودة وقطع الطريق على من قد يكون يمارسها حالياً.

في صيف العام 2012، فتح مكتب المدعي العام الإيطالي في ميلانو، تحقيق حكومي ضد الشركة الايطالية “Area SPA” والتي زوّدت نظام الأسد بمعدات تجسس بقيمة ملايين من الدولارات، ساعدت نظامه على القيام بحملات تجسس ضد عشرات الآلاف من السوريين المعارضين لنظام حكمه، مما أدى لاعتقالات بالجملة.

التحقيق استمر لثلاث سنوات، وانتهى باقتحام الشرطة الإيطالية لمقر الشركة ومصادرة أدّلة تثبت تورّط الشركة وتوجيه تُهم وصلت إلى “ارتكاب جرائم ضد الإنسانية” وعقوبات أوروبية وأميركية على الشركة. ورغم توقف الشركة عن تقديم خدماتها، يرجّح أن النظام انتقل لتلقي الدعم على شكل استشارات تُقدّم من قبل مؤسسات حكومية وخاصة في دول مثل إيران لتعزيز قدراته التجسسية.

إيران، على وجه الخصوص، تمتلك ترسانة سيبرانية متقدمة، متمثلة بعشرات المجموعات المتقدمة من القراصنة المعروفين باسم “تهديدات متقدمة مستمرة” (APT). هذه المجموعات تعمل لصالح “الحرس الثوري الإيراني” ووزارة الاستخبارات، وتستخدم قدراتها المتقدمة لمراقبة الأنشطة المعادية للحكومة الإيرانية وحلفائها.

على الأرجح قدمت السلطات الإيرانية دعماً تقنياً لنظام الأسد سمح لها الوصول إلى البنية التحتية للاتصالات في سوريا، بهدف تقوية قدرة النظام أو حتى السلطات الإيرانية على جمع معلومات حسّاسة ومراقبة تحركات أي شخصية تهم السلطات.

بالرغم من محدودية القدرات التقنية لـ إيران ولسوريا بسبب العقوبات وضعف القدرات الحوسبية لمعالجة كمّ هائل من المعلومات، ولكن وحتى دون الوصول إلى المحتوى الكامل للاتصالات، كان بإمكانهم جمع بيانات (ميتا داتا) كافية للحصول على صورة شاملة عن طبيعة نشاط الشخص المستهدف.

تكمن المشكلة بأن الوصول غير المشروط للجهات الأمنية في النظام البائد أو السلطات الإيرانية أو أي جهات أخرى كانت حليفة لنظام الأسد، للبنى التحتية للاتصالات قد تكون ما تزال موجودة، موفّراً وصولاً عن بُعد لتلك الجهات. مما يعني أنه وفي حال ما يزال الوصول ممكناً، بإمكان تلك الجهات تشغيل والاستفادة من البنية التحتية التجسسية كما وكأن الأسد وأجهزته الأمنية ما تزال على رأس السطلة.

العقوبات المفروضة على سوريا تزيد من تعقيد الوضع، حيث تعيق توفير الحماية المطلوبة للمستخدمين المستهدفين، حيث إن العقوبات تعطّل من إمكانية تحديث أنظمة التشغيل والبرمجيات، مما يجعل الأجهزة عرضة للاختراق بالذات في حال وجود جهات معادية تمتلك وصولاً للبنى التحتية.

وفي ظل هذه الظروف، من الضروري أن يتعامل السوريون بحذر مع الشبكات المحلية على أنها غير آمنة، واستخدام بروتوكولات آمنة مثل الـ VPN، وتطبيقات مشفرة مثل “WhatsApp وSignal”. للتواصل كبديل لأدوات التواصل التقليدية.

اليوم، تمتلك إيران وروسيا القدرة على الوصول إلى البنى التحتية للاتصالات في سوريا، مما يمكّنهما من مراقبة الاتصالات وتوسيع قدراتهما في مجال التجسس على شبكة الإنترنت. ومع عودة العديد من السوريين إلى دمشق لأول مرة بعد أكثر من عقد ونصف، بدؤوا باستخدام خدمات الشبكات المحلية دون إدراك أن تلك الشبكات قد تكون مخترقة، ما يمنح السلطات الإيرانية أو الروسية القدرة على الوصول إلى البيانات عبر تلك البنى التحتية.

في الوقت الحالي، لم تعد إيران تحتفظ بوجود عسكري مكثف على الأرض كما كان الحال سابقاً، إذ لم يعد هناك تواجد كبير لميليشيات مثل “حزب الله” اللبناني، أو غيرها من المجموعات المدعومة من إيران. هذا التحول يجعل الاعتماد على التجسس عبر قطاع الاتصالات أمرًا بالغ الأهمية بالنسبة لإيران. البوابات الخلفية المزروعة داخل الشبكات السورية تُعد الأداة الوحيدة التي تتيح لإيران مراقبة التحركات والأنشطة داخل البلاد بعد سقوط نظام الأسد.

ختاماً، على السلطات الانتقالية في دمشق العمل على تحليل شامل للبنية التحتية للاتصالات، تحليل تفاصيل القدرات التجسسية التي كانت مستخدمة، والبحث عن أي بوابات خلفية قد تكون موجودة لصالح النظام السابق أو إيران أو أي جهات أخرى، من المهم الاستعانة بخبرات تقنية محايدة ووطنية، ومنظمات دولية تعني بهذا الشأن لضمان استقلالية وشفافية العملية.

كما ينصح بعدم طلب المساعدة من دولٍ معينة أو أجهزتها الأمنية، والتي قد تكون لها مصالح بتوسعة قدراتها التجسسية داخل سوريا، بالمقابل يجب أن تكون الجهود موجّهة لاستعادة السيطرة الكاملة على قطاع الاتصالات وضمان أمن الشبكات لحماية خصوصية السوريين في المستقبل، والتي يجب أن يكلل بقوانين تجرّم التجسس وتحمي خصوصية السوريين التي انتهكها النظام السابق وحلفاؤه لعقود.