اللاذقية/ يوسف علي
في ظل التدهور المتسارع في واقع الأمن المائي في سوريا، أصدرت سلطة دمشق مؤخراً قرارات تقضي بوقف ضخ مياه الري في منطقة الساحل السوري، باستثناء ضخ واحد فقط مقرر في شهر أيلول القادم، وذلك نتيجة شح الأمطار وتفاقم مشاكل البنية التحتية، في خطوة تنذر بكارثة زراعية حقيقية تهدد مستقبل الزراعة في واحدة من أكثر المناطق السورية خصوبة.
وتعتمد الأراضي الزراعية في الساحل السوري بشكل شبه كامل على مياه الري لزراعة محاصيل استراتيجية وأساسية، مثل القمح والخضروات، غير أن نقص المياه يهدد اليوم بتحويل هذه الأراضي إلى مساحات جرداء غير منتجة. وبدلاً من اللجوء إلى حلول إصلاحية مستدامة، جاءت قرارات وقف ضخ المياه لتضاعف من حدة الأزمة القائمة.
وتشير الوقائع الميدانية إلى أن هذه القرارات اتخذت بشكل ارتجالي دون أي دراسات فنية أو تقييمات علمية مسبقة، وذلك في وقت تعاني فيه السدود والأنهار المخصصة للري من انخفاض حاد في منسوب المياه، نتيجة الجفاف المستمر. كما أن الإهمال في صيانة مضخات المياه، وعدم تحديث شبكات الري، والسرقات المتكررة للعنفات والأمبيرات، ساهم في تعميق الأزمة وإضعاف قدرة البنية التحتية على تلبية احتياجات الأراضي الزراعية.
وتعد سرقة المضخات الزراعية، وتوقف معظم ما تبقى منها عن العمل بسبب غياب الصيانة أو نقص قطع الغيار، من أبرز أسباب أزمة الري في المنطقة، بالإضافة إلى انعدام أي خطة فعلية لتعويض الفاقد أو حماية منشآت المياه الحيوية. فقد تعرضت عشرات المضخات للسرقة أو التخريب نتيجة غياب الأمن، بينما تعطلت أخرى نتيجة الإهمال المتراكم وعدم توفر قطع الغيار اللازمة.
لم تبادر الجهات المعنية بأي خطوات إصلاحية حقيقية للتعامل مع هذه الأزمات، ما أدى إلى انخفاض حاد في كميات المياه المتاحة للري، وتفاقمت الفوضى نتيجة غياب أنظمة المراقبة والمحاسبة القانونية، في حين تستمر كميات كبيرة من المياه بالهدر عبر التسربات في شبكات الري القديمة، دون أن يتم إصلاحها، حيث جرى التعامل مع الأزمة بقرارات تقضي بقطع المياه بدلاً من صيانة الشبكات ومعالجة الخلل الفني.
وتتجلى واحدة من أخطر أوجه الأزمة في غياب الدراسات اللازمة حول احتياجات الأراضي الزراعية من المياه، مما يجعل قرارات توزيع وضخ المياه عشوائية وغير مدروسة، مع ما يحمله ذلك من نتائج كارثية على المزارعين والمجتمع عموماً. فاستمرار هذا الواقع ينذر بكارثة زراعية وشيكة قد تؤدي إلى تلف مساحات واسعة من المحاصيل، بسبب الجفاف وسوء إدارة الموارد المائية.
وتنعكس أزمة الري بشكل مباشر على الواقع الاقتصادي والاجتماعي، حيث تزايدت وتيرة هجرة المزارعين من الريف إلى المدن، في محاولة للبحث عن فرص عمل بديلة، بعد أن فقدت الزراعة جدواها كمصدر دخل رئيسي للأسر الريفية. كما ارتفعت معدلات الفقر، وتزايدت حدة انعدام الأمن الغذائي، في حين أصبحت النزاعات بين المزارعين حول المياه أكثر تكراراً، مع اشتداد التنافس على الكميات المحدودة المتبقية من المياه، ما يهدد بانهيار النسيج الاجتماعي في المنطقة.
وتفيد تقارير ميدانية بأن بعض القرى في الساحل السوري بدأت تشهد حالات نزوح جماعي، نتيجة تدهور القطاع الزراعي وعدم جدوى الاستثمار في ظل شح المياه، وهو ما ينعكس سلباً على الميزان الزراعي الوطني، في بلد كان يُعرف بزراعته المتنوعة والواسعة.