شهدت أسواق المواشي في مدينة حلب حركة نشطة وإقبالاً كبيراً من الأهالي على شراء الأضاحي، وذلك خلال الأيام التي سبقت حلول عيد الأضحى المبارك، على الرغم من الارتفاع الملحوظ في الأسعار مقارنة بالأعوام السابقة.
وخلال جولة ميدانية لـ”السوري” في أسواق الأغنام، خصوصاً في منطقتي جبرين والراشدين، لوحظ ازدحام كبير وحركة بيع وشراء نشطة، وسط تذمر عدد من المواطنين من ارتفاع الأسعار، في حين يؤكد التجار أن هذا الارتفاع يعود لعوامل خارجة عن إرادتهم، أبرزها غلاء الأعلاف وأجور النقل.
وتتراوح أسعار الكباش متوسطة الحجم بين مليونين ونصف وثلاثة ملايين ليرة سورية، فيما يتجاوز سعر الكباش الكبيرة أو تلك من السلالات البلدية المعروفة بجودتها أربعة ملايين ليرة. أما الخراف التي يبلغ عمرها نحو عام، فقد وصلت أسعارها إلى ما يقارب مليوناً ونصف المليون ليرة.
ورغم هذه الأرقام المرتفعة، يواصل أهالي حلب شراء الأضاحي، معتبرين أنها شعيرة دينية لا يمكن التنازل عنها. ويؤكد عدد منهم أن ذبح الأضحية طقس لا يكتمل العيد من دونه، مهما بلغت تكلفته.
أبو عبدو، وهو تاجر أغنام يعمل في هذا المجال منذ أكثر من عشرين عاماً، قال لـ”السوري”: “الناس مستغربة من الأسعار، لكن الحقيقة أن أسعار العلف تضاعفت، وكيس الشعير اليوم يكلّف ضعف ما كان عليه العام الماضي. كما أن أجور النقل ارتفعت بسبب غلاء الوقود، وعدد المربين قلّ بسبب الظروف الاقتصادية والجفاف، ما أدى إلى قلة العرض وارتفاع الأسعار”. وأضاف: “ورغم كل شيء، الحركة جيدة والناس تشتري، حتى لو كانت الأضاحي أصغر حجماً من المعتاد”.
وفي السياق ذاته، قال مصطفى، وهو أحد زبائن السوق، إنه يحرص كل عام على شراء أضحية وذبحها أمام منزله. وأضاف: “رغم غلاء الأسعار، لا يمكننا التخلي عن هذه العادة. هي شعيرة دينية وأولادي وأحفادي ينتظرونها بشوق”. ولفت إلى أن السوق مزدحم كالمعتاد قبل العيد، وهو مشهد يبعث على الفرح ويعكس أجواء العيد الحقيقية في المدينة.
وفي الأحياء الشعبية التي تعاني من ضعف القدرة الشرائية، بات من الشائع لجوء الأهالي إلى شراء خراف صغيرة بأسعار أقل نسبياً. ويصرّ المواطنون هناك على الحفاظ على الطقوس الدينية والعادات الاجتماعية المرتبطة بعيد الأضحى، بما فيها توزيع اللحوم على الفقراء والجيران، تأكيداً على قيم التضامن والتكافل.
في المقابل، أعرب عدد من المواطنين عن استيائهم من غياب الرقابة على أسعار المواشي في الأسواق، مطالبين الجهات المعنية بالتدخل للحد من الاستغلال. كما اشتكوا من صعوبات تواجههم أثناء عمليات الذبح، نتيجة ازدحام المسالخ، ما يضطر العديد من العائلات إلى الذبح في المنازل رغم ما يحمله ذلك من متاعب ومخاطر صحية.
ورغم التحديات الاقتصادية وغلاء الأسعار، يبقى العيد مناسبة خاصة لأهالي حلب، الذين يستعدون له بشراء الملابس الجديدة وتحضير الحلويات وتزيين المنازل، في محاولة لإدخال الفرح إلى قلوب أطفالهم والحفاظ على تقاليدهم الراسخة.
وتبقى الأضحية في حلب، كما في باقي المدن السورية، أكثر من مجرد طقس ديني، إذ تعكس معاني الصبر والعطاء والانتماء، وتشكل إرثاً تتناقله الأجيال جيلاً بعد جيل، رغم قسوة الظروف.