مع اقتراب عيد الأضحى المبارك، تتجدد في مدينة حلب معاناة آلاف العائلات التي ترزح تحت وطأة ظروف اقتصادية صعبة، جعلت من شراء ملابس العيد لأطفالها حلماً بعيد المنال. فالواقع المعيشي المتردي والدخل المحدود الذي تعانيه شريحة واسعة من السكان، حوّلا استعدادات العيد إلى عبء ثقيل، في وقت تفتقد فيه الأسواق لأي رقابة فعالة تضمن استقرار الأسعار ومنع التلاعب بها.
وتشهد أسواق المدينة، سواء الشعبية منها أو التجارية، ازدحاماً في المعروضات من الملابس الزاهية والألوان المبهجة، غير أن الأعين المتطلعة إلى هذه البضائع تحكي قصة أخرى، مليئة بالحيرة والحسرة. فبحسب جولة ميدانية أجراها مراسل “السوري” على عدد من أسواق حلب، بدت الأسعار في ارتفاع غير مسبوق، ما أثار شكاوى متكررة من الأهالي حول ما وصفوه بـ”استغلال أصحاب المحال” لمواسم الأعياد برفع الأسعار بشكل مبالغ فيه، وسط غياب شبه تام لأي إجراءات حكومية لوقف هذه الفوضى.
وفي ظل هذا الواقع، اضطر الكثير من العائلات إلى اللجوء إلى الألبسة المستعملة، أو إلى استخدام ملابس الأعوام السابقة، في محاولة لتلبية رغبات أطفالهم بالحد الأدنى، حفاظاً على مشاعرهم في مناسبة يُفترض أن تكون للفرح والبهجة.
وتقول أم رزان، وهي أم لثلاثة أطفال تقيم في حي الفرقان: “ذهبت إلى السوق لشراء ملابس لأطفالي، فصُدمت من الأسعار. أقل طقم لطفل صغير لا يقل عن 150 ألف ليرة، وزوجي موظف وراتبه لا يكفي لشراء طقم واحد. كيف لي أن أفرح أطفالي؟ كيف أقول لهم إن العيد هذا العام بلا ملابس جديدة؟”. وتضيف بألم: “أشعر بالذنب كلما رأيت نظراتهم الحزينة، وكأنهم يعرفون أننا غير قادرين على شراء ما يرغبون به. لم نطلب الكثير، فقط أن يشعروا بأنهم مثل بقية الأطفال.”
من جهتها، أشارت أم إياد، المقيمة في حي الجميلية، إلى أن الأسعار ارتفعت بشكل غير مبرر هذا العام، وقالت: “ذهبت إلى أحد محال الألبسة ففوجئت بأن سعر البنطال لطفل صغير وصل إلى 100 ألف ليرة، والقميص بـ80 ألفاً. هل يُعقل أن نحتاج إلى قرابة نصف مليون ليرة لتجهيز طفلين للعيد؟ أنا أعمل في التنظيف المنزلي وزوجي عامل بناء، ونعيش من يوم ليوم، من أين نأتي بهذه المبالغ؟”. وتابعت: “نحن لا نطلب سوى أن تكون هناك رقابة حقيقية، وتسعيرة منطقية. الأسعار تتغير من محل إلى آخر، وكل تاجر يضع السعر الذي يريده، ونحن من ندفع الثمن.”
وفي السياق ذاته، عبّر أبو أحمد، من حي سيف الدولة، عن استيائه من غياب دور الجهات الحكومية في ضبط الأسواق، قائلاً: “الوضع خارج عن السيطرة تماماً. التجار يتحكمون بالأسعار كما يشاؤون، ولا أحد يسأل أو يحاسب. نحن نعيش في فوضى اقتصادية حقيقية، لا قانون يردع، ولا ضوابط تحكم. حتى الألبسة الوطنية لم تعد بمتناول يد المواطن البسيط. هناك محال تبيع طقماً محلياً بأكثر من 200 ألف ليرة، وهو مصنوع من أقمشة رديئة الجودة.” وأضاف: “كان العيد مناسبة ينتظرها الأطفال، أما اليوم فقد أصبح مناسبة ثقيلة على الأهل، مليئة بالتوتر والضغط النفسي. لا نستطيع تلبية أبسط ما يطلبه أولادنا، وهذا أصعب ما في الأمر.”
وفي ظل هذه الظروف، يجد العديد من الأهالي أنفسهم مجبرين على اتخاذ قرارات قاسية، بين توفير الغذاء والحاجات الأساسية، أو شراء ملابس العيد لأطفالهم. هذه المعضلة اليومية لا تعكس فقط أزمة اقتصادية عابرة، بل تكشف عمق الأزمة المعيشية في البلاد، حيث باتت القدرة الشرائية للمواطن مرتبطة بكفاح يومي يلامس حدود الكرامة الإنسانية وحق الأطفال في الفرح.
وفي الوقت الذي تستعد فيه فئة محدودة من المواطنين للاحتفال بالعيد، يكتفي الكثيرون بالدعاء والتمني، وسط شعور عام بالقهر والعجز، إذ لم يعد للعيد ذاك الطابع البهيج الذي اعتاد عليه الناس، بل غادر البهجة من قلوب معظم العائلات الحلبية، ليحل مكانها الهم والضيق. وبين غياب الرقابة وغياب الدعم الحقيقي للفئات الأكثر فقراً، تبقى فرحة العيد رهينة الظروف، مؤجلة إلى حين يأتي فرج يحمل معه عيداً يشعر فيه الجميع بالسعادة، لا بالحسرة.