قد لا تختلف قصة الأم نومة عن كثير من قصص النساء السوريات المناضلات اللاتي يواجهنَّ الظروف الحياتية والمعيشية الصعبة التي يعيشها ملايين السوريين والسوريات في ظل ما خلفته الأزمة السورية من كوارث على كافة الأصعدة وأبرزها تحدي ” تدبر المعيشة اليومية”.
يشكل تدبير احتياجات الأسرة تحدي كبير بالنسبة للمعيلين مع قلة فرص العمل المتاحة، ومحدودية الأجرة اليومية أو مقابل العمل حيث تضطر ملايين السوريات الى العمل ومساندة الرجل في أعالة اسرهنَّ في أعمالٍ بعضها صعب وأخر في ظروف لا بأس بها.
وعلى مدار أكثر من عقد على الأزمة السورية توجهت آلاف الأسر الى ترك مصادر دخولها الأساسية في قطاعات الزراعة أو تربية المواشي أو التجارة… وغيرها، فيما واجهت أسر أخرى وطأتها ونتائجها المدمرة حيث وصل الحال ببعض الأسر بيع ممتلكاتها كاملة لسداد ديون متراكمة تبعها مشاكل اجتماعية وصلت الى بروز ظواهر اجتماعية مرعبة كالانتحار او ادمان المخدرات… الخ.
تعد الأم نومة الحمادي (العقد الخامس من العمر) وهي تقطن قرية في ريف عين عيسى الغربي مثالاً جيداً عن نضال المرأة وكفاحها الدؤوب للحفاظ على أسرتها حيث تمثل نموذجاً يحتذى به لأمرة بدأت من الصفر لتكون عائلة صالحة لتوجيه اسرتها بأن تكون اسرة ايجابية تساهم في تطور مجتمعها.
تتألف عائلة “نومة” من خمسة أفراد هم ابنتان والأب والابن تمكنوا خلال فترة الأزمة من تكوين أنفسهم، والتأسيس لبيت جديد بعد أن حرموا من بيتهم وأرضهم في إحدى القرى المحتلة لكونه يقع في منطقة التماس بالقرب من الأوتوستراد الدولي m4، ولازالوا كذلك يتابعون حياتهم، ويعشونها بحلوها ومرها، ويشكلون نموذجاً لألاف الأسر التي جمعتها الظروف المتشابهة.
وتقول بهذا الصدد: “جملة التجارب الحياتية العصيبة علمتنا أن نتحلى بقدر كبير من الصبر لمواجهة تحديات الحياة حيث أننا من اسرة ريفية تعمل بالزراعة في المقام الأول، وكنا نعول على ما تجود بها حقولنا الزراعية من غلال في إعالة اسرنا، وبعد أن هجرنا لأكثر من مرة من قريتنا تعلمنا التكيف مع الواقع الصعب الذي فرض علينا من خلال الاستفادة من الموارد المتاحة في المناطق التي كنا نلجأ إليها حيث أدأب في كل عام على زراعة الخضروات الصيفية، والشتوية وهو اسلوب قديم لتوفير الاكتفاء الذاتي وتقليل الاعتماد على الشراء.
وأردفت: “الأهم في مسألة التكيف هو توفير الموارد وتقليل المصاريف، وما حل بنا في الأزمة السورية لأكثر من عقد من الزمان علمنا هذا الأمر، ومن المعروف بأن دخل العائلة في مناطقنا قد لا يتعدى 100 دولار شهرياً في فترات محدودة، وقد لا يتوفر في أخرى، لذلك مبدأ التكيف وتحقيق الاكتفاء الذاتي للأسرة مسألة في غاية الأهمية، وهي قاعدة ثابتة ضمنت لنا الاستمرارية ومواجهة الصعاب”.
وعن دور المرأة في دعم اسرتها تقول الأم نومة: “لا شك بأن المرأة في البيت تمثل الأساس في توفير الموارد، وقد تقود البيت الى الانهيار التام، فإذا عرفت كيف تدير ببيتها وفرت المال الكافي للاستمرار طيلة شهر وسنة وسنوات عدة، وإذ كان العكس كان هنالك صعوبة في التكيف، وستبرز مشاكل اجتماعية تؤدي الى نتائج لا تحمد عقابها.
وحول ما تمتهنه من عمل تؤكد بأنها تجيد العمل في الزراعة في المقام الأول، وتعمل على تعلم الخياطة أيضاً، الى جانب أنها تعمل في مؤسسات مجلس مدينة عين عيسى، وبعد انتهاء عملها تعود الى منزلها لممارسة أعمال البيت، والاعتناء بخضرواتها الصيفية.
وختمت بالقول: “اوجه رسالة الى كافة النساء بعدم الاستسلام للظروف برغم صعوبتها إلا أن المرأة القوية تستطيع أن تخلق حياة جديدة في كل مكان وزمان وضرف، وتأمل أن يكون مستقبل وطنها زاهر ومشرق بعد تخطي كل هذه المعاناة والمآسي من قبل أبناء وطنها”.