لكل السوريين

خمسينية تكسر القالب المجتمعي وتعمل سائقة أجرة في حلب

حلب ـ أدت الظروف المعيشية الصعبة لدفع عديد النساء السوريات لكسر مهن كانت حكرا على الرجال، وعلى الرغم من أنها ليست الأولى التي تمارس هذه المهنة في الأزمة إلا أن أم النور تؤكد أنها كسرت القالب المجتمعي المتحفظ على ممارسة النساء لمهن خاصة بالرجال بحسبها هي.

تعمل أم النور كسائقة أجرة في مدينة حلب منذ عدة أعوام، مؤكدة أن تردي الوضع المعيشي هو من دفعها لممارسة هذه المهنة، لا سيما وأن عمرها قد وصل لـ 55 عاما.

تقيم ناديا المشهورة بأم النور في حي صلاح الدين وسط المدينة، وبعد مقتل ابنها الأكبر في حمص تحول عملها من موزعة موسيقية إلى سائقة تاكسي أجرة.

قبل ذلك فقدت “أم النور” زوجها في العام 2011 إثر نوبة قلبية، تاركاً لها خمسة أطفال، “كنت جبرة أن أعيل نفسي وعائلتي بعدما بقيت وحيدة في مواجهة مسؤولية تربية أولادي الخمسة، وها أنا أعمل على قيادة التكسي منذ أكثر من تسع سنوات”.

ومنذ بداية عام 2014 ازداد تدني الوضع المعيشي لسكان حلب بسبب تداعيات الحرب السورية وعدم قدرة الحكومة السورية على توفير فرص عمل وزيادة رواتب الموظفين، إلى جانب فقدان أعداد كبيرة من الذكور نتيجة المعارك الدائرة، مما أجبر النساء على امتهان أعمال لم يعتدن عليها من قبل، من أجل تلبية احتياجات عائلاتهن.

ومنذ ذلك الوقت باتت حالة “أم النور” ظاهرة لافتة بمدينة حلب، بيد أن الكثيرين وجودوا في حالتها أمراً غير مرغوباً به، إذ كيف لامرأة أن تقود سيارة أجرة (تكسي)؟!، لكن رويداً رويداً تمكنت السيدة الخمسينية، من فرض رغبتها في العمل واكتساب احترام محيطها، ليتقبلها الشارع الحلبي وتغدو السيدة الأولى والوحيدة التي تعمل كسائقة في المدينة.

تقول: “أحب عملي رغم الانتقادات التي حصلت في البداية، لكني فضلت المتابعة على كلامهم، إلى أن اكتسبت احترام الجميع لي، متقبلين توصيلي لهم”.

وتواظب السيدة على الاستيقاظ باكراً كل يوم، وتتفقد سيارتها قبل الانطلاق إلى العمل وسط شوارع وأحياء مدينة حلب، فتبدأ بنقل ركابها حسب وجهتهم دون تمييزِ بين الرجال والنساء.

ولا تخفي “أم النور” أن بعض النساء ممن يركبن معها يعبّرْن عن اعجابهن بشجاعتها ويتمنّيْن أن يكنّ مثلها في قيادة السيارة.

واكتسبت السيدة مع طول أمد مزاولتها لمهنتها أصدقاء من سائقي سيارات الأجرة “التكاسي” الذين يتعاملون معها بطريقة لائقة، وما أن يرونها واقفة بسبب عطل، حتى يهرعون إلى تقديم المساعدة من أجل حل مشكلتها.

وتقول: “بات لديّ زبائن خاصين يتصلون بي دائما، ومن بينهم نسبة كبيرة من النساء، وهذا ما يشعرني بالسعادة”.

خلال سنوات الأزمة السورية فقدت كثير من العائلات في مناطق سيطرة الحكومة، معيلها، بسبب الخطف أو الاعتقال أو القتل، حيث بلغت نسبة الذكور من وفيات الحرب السورية نحو 82 %، وفق دراسة لـ “مركز دمشق للأبحاث والدراسات” (مداد) الموالي للحكومة، صدرت العام 2017.

وتحاول “أم النور” أن تكون مثال لغيرها في مواجهة قساوة الحياة وعدم الاستسلام للظروف السيئة التي تمر بها العوائل بسبب التدهور المعيشي والتراجع الاقتصادي الناتج عن انخفاض قيمة الليرة السورية أمام الدولار الأمريكي.

وتقول إنها لم ترغب أن تكون عرضة لاستجلاب الشفقة، بل على العكس حاولت أن تغيّر من نظرة مجتمعها تجاه المرأة العاملة، مختارة العمل كسائقة سيارة أجرة، حتى أثبت قدرتها على القيام بأعمال ظلت محتكرة على الرجال.

وتقيم “أم النور” حالياً مع ابنتها الصغرى التي تدرس في كلية الهندسة المعمارية بجامعة حلب، بعد أن تزوج ابناءها الثلاثة، وهي لا تزال مصممة على متابعة عملها إلى حين ما يسمح لها جسدها على التحمّل.

نورث برس