لكل السوريين

المرأة والعنف في سورية – 2

إعداد وتقديم انعام إبراهيم نيوف

يمارس العنف ضد المرأة السورية منذ اللحظة الاولى للولادة، مقترنا بالعلاقات التقليدية والأعراف والتقاليد والثقافة السائدة، التي تسمح برؤية نمطية تمييزية ودونية للمرأة مرورا بالنظرة النمطية تجاهها في المناهج التعليمية، حتى القوانين الناظمة في البلاد ,فالعنف ضد المرأة له أشكال عديدة منها : العنف في محيط الأسرة ويشمل ضرب الزوج أو الأب أو الأخ أو الابن أحيانا ,والعنف المتصل بالمهر ومنع المرأة من ممارسة حقها بالزواج لأسباب اقتصادية أو اجتماعية، والمعاناة من الزواج غير المتكافئ او المتعدد اوالزيجات التي لا تحفظ لها حقوقها كاملة, وجرائم القتل من أجل الشرف ،والعنف في إطار المجتمع مثل الاغتصاب والتحرش الجنسي والإرغام على البغاء والعنف الإداري بسبب التغاضي عن الجرائم التي ترتكب في حق المرأة بدعوى أنها أمور أسرية خاصة وعدم وضع عقوبات رادعة لمرتكبيها لمعظم حالات العنف ,اضافة الى حرمانها من التعليم ,وحرمانها من الميراث وتفضيل الذكور على الإناث بالأسرة ,والتضييق عليها ,واحيانا حرمانها من مزاولة الأنشطة الثقافية والاجتماعية والإعلامية المختلفة . الضغوط الاقتصادية والفقر والبطالة.

ورغم الأشواط التي قطعتها المرأة في طريق تغيير واقعها لازالت هناك بعض العادات التي انتشرت في الماضي لكنها اليوم أصبحت مرفوضة وبشدة وتعتبر من أقسى الانتهاكات الممارسة ضد الأنثى، وفي طليعتها الزواج المبكر، وهو من أخطر أشكال العنف الذي تتعرض له النساء، حيث تجبر الفتاة الصغيرة، في بعض الأحيان لم تكد تبلغ سن العاشرة، على الاقتران بشخص أكبر منها وبالتالي ممارسة واجباتها كاملة كزوجة راشدة مكتملة النمو، ما يعرضها إلى مخاطر نفسية وصحية وجنسية.

تفاوتت مدى الحريات الممنوحة للمرأة في سوريا قبل الاحداث لعدة اعتبارات من بينها الانتماء الديني أو القومي، من بينها الحق في تعلم الدين، وحرية اختيار الزوج بغض النظر عن انتمائه الديني وغير ذلك. لم تختلف كثيرا هذه الاعتبارات بعد وقوع الاحداث، إلا أنها أصبحت أكثر غيابا في ظل الوضع الكارثي في سوريا، بحيث تحولت الأولويات إلى البقاء على قيد الحياة، والحصول على الطعام والدواء.

يضم الدستور السوري الذي أصدرته الحكومة السورية لعام 2012 مادتين متعلقتين بالمرأة، المادة 23والمادة 33، إلا أن التناقضات في الدستور السوري بما يخص المرأة وتحفظات الحكومة السورية على “اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة” (سيداو)، يجعل المادتين في الدستور السوري عبارة عن كلام فارغ، وغير قابل للتطبيق بحكم الدستور السوري ذاته، فكيف لا يحق لرئيس الجمهورية السورية مثلا اختيار المهنة ونوع العمل، أو مكان سكنه أو إقامته إلا بموافقة الزوج إن كانت امرأة. وهو ما ينفي حق المرأة في الترشح لرئاسة سوريا، خاصة وأن شروط الترشح لرئاسة الجمهورية مطروحة بصيغة الذكر، ومن بينها “ألا يكون متزوجا من غير سورية”. قد تكون هذه الصياغة مبررا لحرمان المرأة من الترشح لرئاسة الجمهورية فيما بعد.

تعد “اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة” (سيداو)، إحدى أهم الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالمرأة، والتي تعرف التمييز ضد المرأة أنه: “أي تفرقة أو استبعاد أو تقييد يتم على أساس الجنس ويكون من إثارة أو أغراضه توهين أو إحباط الاعتراف للمرأة بحقوق الإنسان والحريات الأساسية، في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية، أو في أي ميدان آخر، أو توهين أو إحباط تمتعها بهذه الحقوق أو ممارستها لها، بصرف النظر عن حالتها الزوجية وعلى أساس المساواة بينها وبين الرجل”.

صادقت الحكومة السورية على اتفاقية سيداو “اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة”، إلا أنها قدمت مجموعة من التحفظات عليها: في المادة 9 البند 2, والمادة 15 البند 4، والمادة 16، والمادة 29.

تفرغ هذه التحفظات الاتفاقية من هدفها الأساسي في المساواة الكاملة مع الرجل، وتخول الحكومة السورية بعدم الالتزام بتطبيق البنود التي تحفظت عليها.

ومن اجل مناخ مستقبلي آمن لكل سورية، فإننا نؤكد على اهمية العمل من اجل: إلغاء تحفظات الحكومة السورية على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وتعديل القوانين والتشريعات السورية بما يتلاءم مع بنود الاتفاقية كلها، ومواءمة القوانين والتشريعات السورية مع الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان وتحديدا اتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة التي صادقت عليها سورية وإلغاء كافة المواد المشجعة على ممارسة العنف والجريمة بحق المرأة وخصوصا في قانون العقوبات السوري، ووضع استراتيجية حقيقية من أجل مناهضة العنف ضد النساء ووضع كافة الوسائل الكفيلة بتفعيلها وإشراك المنظمات غير الحكومية في إقرارها وتنفيذها وتقييمها، والعمل من اجل توفير حماية قانونية للنساء في حال تعرضهن للتمييز أو العنف الجسدي والجنسي في آماكن العمل أو في المنازل.