لكل السوريين

الإسلام السياسي.. تكريس للدكتاتورية والاستبداد

إياد الخطيب 

مصطلح الإسلام السياسي هو من المصطلحات التي ظهرت حديثاً ,ولن أخوض في أسباب ظهوره وكيفية نشأته حيث أنَ هناك خلاف كبير حول هذا المصطلح بين رافض ومؤيد له، ولكن بالنتيجة دعونا نتفق على وجود حركات سياسية تتخذ من الدين الإسلامي مرجعية ومنهجاً لها، جميع هذه الحركات تؤمن بما يمسى “مشروع أمة” والقصد من هذا أنَّه مشرع عابر لجميع الحدود، ويرفض التقسيمات السياسية الحالية  للدول التي تدين شعوبها بالإسلام، أو المذهب الذي تتبناه الحركة أو التنظيم كما هو الحال في اتباع المذهب الشيعي والمذهب السلفي والسلفي الجهادي، كما أنَّ هذه الحركات تتفق بوجوب وصول أدعياءها إلى سدة الحكم، وتحويل نظام الدولة إلى نظام إسلامي يستند إلى الشريعة والكتاب، ونسف كل أشكال الدولة المدنية التي ظهرت حديثاً، ولكن في نفس الوقت تنقسم هذه الحركات لنوعين أساسيين من حيث آلية العمل وطريق الوصول إلى الأهداف، فمنها من يمتهن الأساليب السياسية الحالية من أحزاب وتيارات, ويشارك في العملية السياسية عن طريق الانتخابات أما النوع الآخر فيرفض امتهان السياسية، ويشق طريقه بالعمل المسلح “الجهاد”.

طبعاً ما ذكرته هو اختصار شديد للتعريف بحركات الإسلام السياسي، ولكن دعونا تناول هذه الحركات من حيث تأثيرها على واقع قضايا المنطقة وما جلبته من ويلات على شعوب المنطقة وخاصة الملف السوري.

عبر تاريخ هذه الحركات ومنذ نشأتها في عصرنا الحديث لم تقدم أي فائدة تذكر لشعوب المنطقة، بل على العكس ما أن تحل في مكان حتى تحوله إلى بؤرة من بؤر الإرهاب والتطرف والجهل والتخلف والأمثلة على ذلك كثيرة بدأً من الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى حركة طالبان أفغانستان وتنظيم القاعدة الذي انتشر في الكثير من المناطق حول العالم , وحزب الإخوان المسلمين, وحزب التحرير, وانتهاء بتنظيم الدولة “داعش” .

ما أريد الحديث عنه هو أسلوب هذه الحركات في الانتشار داخل المجتمعات المسلمة، مستغلة ضعف الثقافة  الدينية في المجتمع، كما أن هذه الحركات تمارس العنف سواء الجسدي ,أو النفسي على المجتمعات منطلقة من مفهوم سلطة الرب المطلقة التي لا تعلوها أي سلطة ,وهذا ما يذكرنا بما حصل في أوربا في القرون الوسطى وويلات الحروب الدينية التي جندت لها الكنيسة ,ونفس الأسلوب الآن تتبعه هذه التنظيمات فالقادة و الشرعيين هم وكلاء السماء في الأرض, وما على الشعوب سوى الاذعان والرضوخ لهذه الإرادة العليا، بالعودة لما حصل في سوريا نجد أن هذه الحركات هي من أدارت الصراع على مدى تسعة  أعوام منذ أول ظهور لها بعد عام من انطلاق الحراك الثوري، ونجد كيف سارع النظام بعد عدة أشهر من انطلاق الثورة إلى إصدار عفوٍ عام أطلق بموجبه جميع المعتقلين من قادة واتباع التنظيمات الجهادية ممن عملوا في العراق وأفغانستان، لتتحول الساحة السورية إلى أكبر ساحة لانتشار هذه التنظيمات بمسميات كثيرة، إضافة إلى جلب النظام عن طريق إيران عشرات المليشيات ذات المرجعية الدينية لتتحول سوريا إلى أكبر ساحة لتصفية الصراعات الدينية والمذهبية والالتفاف على القضية الأساسية ومطالب الشعب السوري ,ولعبت تركيا وإيران وقطر الدور الرئيسي في إدارة هذه التنظيمات وتوجيهها وتقديم الدعم لها وتسهيل وصولها عن طريق الحدود التركية ، ومن خلال هذه التنظيمات تم القضاء على معظم الحركات التحريرية الديمقراطية ,والسؤال في صالح من كان هذا؟! .

ما حدث على الأرض يفسر الإجابة نجد أن المستفيد الأكبر هم دكتاتوريات المنطقة، نظام الأسد والنظام التركي والإيراني.

لنجد أن هذه الحركات الاسلاموية أصبحت مطية وذريعة لتمدد إيران وتركيا في المنطقة ومن خلالها تمارس كل أساليب وأشكال الدكتاتورية على شعوب المنطقة “سوريا، ليبيا، اليمن، العراق، اذربيجان…. وغيرهم  وبهم تحارب كل الحركات الديمقراطية وما يؤكد أن هذه التنظيمات جاءت لخدمة دكتاتوريات المنطقة هو المفارقة العجيبة بين السلوك والتطبيق فنجد أن نظام الملالي في إيران يتمتع بعلاقات متينة وعلى أعلى المستويات مع النظام التركي المتمثل بحزب العدالة والتنمية المحسوب على حركة الإخوان المسلمين بينما نجد الفصائل التابعة لتركيا وإيران في حالة حرب دائمة إعلامياً وفي سوريا ,ومورس باسم هذه الحركات أبشع أنواع الجرائم ,وكلها كانت بحق الشعوب وتطلعاتها في الحرية والديمقراطية وهذا ما يفسر سرعة انتشار هذه الحركات في المنطقة  لتتحول إلى رأس حربة في صراع الديكتاتوريات مع إرادة الشعوب ,على عكس ما يدعون له تماماً ففي العلن يدعون لمحاربة الأنظمة وإسقاطها وتطبق شر الله في الأرض أما من الناحية العملية نجد أن مهمتهم هي تكريس سلطة الأنظمة المستبدة ,حتى أنهم يتبعون نفس أساليب هذه الأنظمة في التعامل مع الشعوب وهذا تجلى في سلوك تنظيم الدولة “داعش ” ونفس الأسلوب تمارسه هذه التنظيمات الآن في إدلب من طريقة التعاطي الأمني و قمع الحريات وتكميم الأفواه وملاحقة الناشطين لنجد بالنتيجة أنهم وجهان لعملة واحدة وهي تكرس السلطة والاستبداد بحق جميع الشعوب وكل هذا يتم عن طريق استغلال الدين والعاطفة الدينية.