لكل السوريين

الإغاثة الإنسانية والابتزاز السياسي

صالح مسلم 

التحارب والاقتتال بين البشر لازمت نشوء احتكارات السلطة والثروة لدى المجتمعات البشرية، أي أن الحروب تم خوضها في سبيل تأسيس أو توسيع تلك الاحتكارات، ولكن المتضرر منها كان المجتمع برمته وتحولت الحروب إلى شكل من استنزاف المجتمعات سواء بدماء أبناء المجتمع أو بثرواته وموارده، فحتى المنتصرون كانوا يدفعون ثمناً غالياً لانتصاراتهم العسكرية. وحتى المدنيون والأبرياء الذين لم يكونوا طرفاً في القتال كانوا يدفعون ثمن تلك الحروب.

عندما عجزت شرائح المجتمع سد السبل أمام حرب الاحتكارات، حاولت معالجة آثارها وجروحها من خلال تأسيس منظمات إنسانية تقدم يد المساعدة للمتضررين من الحرب من الأبرياء والمدنيين الذين لم يكونوا طرفاً في القتال، ومع تطور الحروب تطورت تلك المؤسسات الإنسانية أيضاً، وعندما باتت الحروب دولية ونتائجها كبيرة على البشرية، اكتسبت تلك المؤسسات أيضاً صفة دولية، ومع تطور الدولة القومية وإنشاء منظمات دولية تنظم علاقات الدول مع بعضها البعض مثل هيئة الأمم المتحدة (يجب أن تكون هيئة الدول المتحدة) تم إنشاء مؤسسات إنسانية عالمية بهدف تقديم المساعدات والإغاثة لضحايا الحروب والنزاعات، بل قامت كل دولة بتخصيص ميزانية لهذه الغاية في ميزانياتها السنوية حسب إمكانياتها للمساعدات الخارجية.

عند نشوب أي نزاع مسلح أو حرب أو أية أزمة إنسانية في أي بقعة من العالم، من المفروض أن تهرع هذه المؤسسات إلى نجدتها في عمل إنساني نبيل محبذ من جميع أبناء البشر دون استثناء. ولكن الواقع ليس كذلك، فحتى هذا العمل الإنساني النبيل متلطخ بشتى أنواع القذارة والاستغلال واللؤم من طرف تجار الحروب الذين يحققون أطماعهم من خلال دماء الشعوب سواء أكانت احتكارات السلطة والثروة التي تعمل على اشتراط تلك الجهود أو المساعدات بسياسات تخدم مصالحها وتوجهاتها، أو الطفيليون الذين يرتزقون من الحروب ونتائجها الكارثية.

نحن أبناء الشعب السوري مررنا بكل هذه التجارب والمعاناة خلال السنوات العشر من مأساة بلدنا سوريا. فباسم مساعدة الشعب السوري وتقديم الإغاثة جرى صرف مئات المليارات خلال السنوات العشر الماضية، وتلك الأموال كانت كافية لإعمار سوريا من جديد وإيصال شعبها إلى حياة مرفهة، وما نراه هو عكس ذلك تماماً، فأين ذهبت تلك الأموال؟ ومادامت هذه المساعدات إنسانية فمن المفروض أن تصل إلى أصحابها أو الذين يستحقونها، فهل حدث ذلك؟

تركيا التي تأسست على جماجم الشعوب كانت في صدارة المشهد السوري أيضاً، فمثلما نصبت مخيمات اللجوء قبل أن يكون هناك لاجئون، وعندما جاؤوا سجلت أسماء العابرين أيضاً كلاجئين، وقدمت القوائم للاتحاد الأوروبي لتحصل على أربعين مليار دولار، لتقدم جزءاً يسيراً منه إلى اللاجئين وتتقاسم الطبقات الحاكمة معظمها، كما استغلت اللاجئين وجندت منهم مرتزقة يحاربون في شتى أصقاع الأرض، وقامت بتأسيس مراكز للإغاثة في عينتاب لإغاثة السوريين في الداخل والخارج من خلال تراخيص مشروطة من الاستخبارات التركية عبر البوابات الحدودية، بحيث تم حرمان المناطق التي لا تروق لتركيا، وكل منظمة تعمل في تلك المناطق يتم سحب الترخيص منها. وحتى في مناطق نشاط المنظمات الإغاثية يتم الانتقاء حسب الأحزاب والفصائل التابعة لتركيا. هذا عندما كانت كل المعابر مفتوحة، طبعاً ما عدا المعابر التي لا تسيطر عليها فصائل تركيا، فقد بقيت مغلقة، مثل بوابة تل أبيض التي كانت مفتوحة أمام النصرة وداعش ثم أغلقت بعد تحريرها ثم افتتحت بعد احتلالها للمرتزقة مرة أخرى.

إن الحديث عن المعابر والإغاثة ذو شجون، فمن جهة عمل النظام السوري على توجيه الإغاثة إلى المعابر التي يتحكم بها لاستغلالها لصالحه وتمكين نفوذه، وبيع الفائض في السوق السوداء من خلال تجاره، وكذلك تركيا والفصائل المرتبطة بها وجهت الإغاثة إلى المعابر التي تتحكم بها واستغلتها لشد السوريين إلى جانبها لتجنيدهم، بينما مناطق الإدارة الذاتية محرومة من كل ذلك والمواطن السوري في مناطق الإدارة كان يشتري تلك المواد من السوق السوداء من التجار، ولكن المعضلة كانت في الأدوية والمستلزمات الطبية التي تقدمها منظمة الصحة العالمية بما فيها اللقاحات ضد كورونا.

ومؤخراً شاهدنا كيف تم إغلاق المعابر بفيتو روسي بهدف إرغام الأطراف على الخنوع للنظام السوري خدمة للمصالح الروسية المرتبطة به، وجرى إستثناء معبر واحد مع تركيا إرضاء لتركيا والجهاديين المرتبطين بها. وفي الوضع الراهن حيث لازالت الإغاثة وأموالها تنفق بالمليارات ليتقاسمها النظامان السوري والتركي، بينما حال الشعب السوري معلوم للجميع. كل ذلك للتذكير فقط فنحن نعلم أن الشعب السوري أبي لا يقبل الإغاثة على حساب كرامته. ولكن الضرورة تفرض بعض الأمور أحياناً، فالإدارة الذاتية الديموقراطية طالبت وتطالب قوى الهيمنة للسماح بإستخدام معبر واحد للأمم المتحدة لتقديم اللقاحات الضرورية والأدوية الطبية غير المتوفرة في الأسواق، ولكن ليس هناك من يسمع صوت الشعب السوري. ولم يتم السماح بفتح معبر تل كوجر بفيتو روسي مرة أخرى.