لكل السوريين

“حقوق الإنسان في الإعلان العالمي” بمناسبة الذكرى السنوية للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، في العاشر من كانون الأول من كل عام

بتصرف وإعداد أنعام إبراهيم نيوف

يقصد بمصطلح الشرعة الدولية مجموعة الصكوك التي تم إعدادها من قبل لجنة حقوق الإنسان وقد استقر الفقه الدولي في مجال حقوق الإنسان على استخدام مصطلح “الشرعة الدولية لحقوق الإنسان للدلالة على ثلاثة من أهم وثائق حقوق الإنسان وهي:

الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

والذي أطلقته لجنة حقوق الإنسان في دورتها الثانية التي عقدت في جنيف في الفترة من 3 إلى 17/12/1947.

تعد الشرعة الدولية لحقوق الإنسان الأساس الأخلاقي والقانوني لكافة أنشطة الأمم المتحدة ذات الصلة بحقوق الإنسان

لذلك فإن الاطلالة على مكونات هذه الشرعة ومضمونها وآثارها مسألة أساسية ولا بد منها في مجال حقوق الإنسان وحقوق المرأة.

أثناء انعقاد مؤتمر سان فرانسيسكو لإعداد ميثاق الأمم المتحدة، تم اقتراح وضع إعلان ملحق بالميثاق حول حقوق الإنسان الأساسية من قبل بعض الوفود آنذاك. ولكن هذا الاقتراح لم ينل قبول المؤتمرين. وأعيد الاقتراح من قبل (بنما) في الدورة الأولى للجمعية العامة التي عقدت في لندن عام 1946، ومن ثم كلفت لجنة حقوق الإنسان المنشأة حديثاً بإعداد الشرعة الدولية لحقوق الإنسان

لقد رأت اللجنة أن تكرس جهودها في المرحلة الأولى من عملها لإعداد إعلان دولي له صفة برنامج عام غير ملزم، على أن يعقب ذلك اتفاقية أو أكثر تتضمن التزامات قانونية واضحة وتدابير محدّدة لحماية حقوق الإنسان. وفعلاً أسفرت جهودها عن إعداد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10/12/1948.

وفي عام 1966 اعتمدت الأمم المتحدة وثيقتين دوليتين ارتكزتا على الحقوق التي نادى بها الإعلان العالمي، وهما :

العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

فضلاً عن البروتوكول الاختياري الأول الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والذي يتعلق بحق الأفراد في التظلم إلى الهيئة التي تراقب تنفيذ العهد، وهي لجنة حقوق الإنسان إذا انتهكت حقوقهم من جانب حكوماتهم، والتي تشمل فقط الدول المصدقة على العهد وموافقتها أيضاً على البروتوكول.

وفي عام 1990، اعتمدت الجمعية العامة بروتوكولاً اختيارياً ثانياً للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ويتعلق بإلغاء عقوبة الإعدام.

تعد الشرعة الدولية لحقوق الإنسان الأساس الأخلاقي والقانوني لكافة أنشطة الأمم المتحدة ذات الصلة بحقوق الإنسان وبأنها حجر الأساس للنظام الدولي المتعلق بحماية وبتشجيع حقوق الإنسان

ماهية الإعلان ومضمونه.

أولا: تعريف الإعلان

منذ تأسيس الأمم المتحدة عام 1945 باشرت الجمعية العامة بالأعمال التحضيرية لإصدار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، والتي أسفرت عنها إصدار الإعلان بقرارها رقم (217) في الدورة الثالثة للجمعية التي عقدت في قصر شايو بباريس بتاريخ 10/12/1948 بمبادرة من اللجنة الخماسية التي كان أبرز أعضائها من الدول الغربية ورئيستها هي أرملة الرئيس الأمريكي “روزفلت” إليانور وعضوية الفرنسي “كاسان” الذي حرر مسودة المشروع، أما الأعضاء الثلاثة الباقين غير الغربيين وهم “تشانج” الصيني و”هانسامهتا” الهندية و”شارل مالك” اللبناني .

وقد تبنت الجمعية العامة هذا الإعلان عندما كان عدد أعضائها آنذاك لا يتجاوز (58) عضواً ومعظمهم من الدول الغربية، وقد صدر بأغلبية 48 صوتاً، من بينهم أربعة دول عربية هي (مصر والعراق وسوريا ولبنان) وامتناع ثماني دول عن التصويت وغياب دولتان.

شكلت الدول الشيوعية أغلبية الدول الممتنعة عن التصويت. وقد ارتكزت في مواقفها على:

إن الإعلان لم يقم بمعالجة واجبات الفرد نحو المجتمع، وإنه رجح كفة الحريات الرأسمالية ، اضافة إلى عدم تطرق الإعلان إلى الوسائل التي ينبغي على الدول اتخاذها بغية إعمال هذه الحقوق.

وقد انتقدت الدول الشيوعية موقف الدول الغربية لرفضها إدانة ظاهرة الفاشية بصراحة في الإعلان، بحجة استحالة وضع تعريف جامع مانع لهذه الظاهرة التي كانت وراء اندلاع الحرب العالمية الثانية.

وتعكس هذه التبريرات خشية هذه الدول من تدخل الأمم المتحدة في شؤونها الداخلية بحجة حقوق الإنسان.

أما بخصوص امتناع السعودية فمرده تضمين الإعلان عدداً من الحقوق والحريات في بعض نصوصه التي لا تتفق مع مبادئ وخصائص المجتمع الإسلامي. فقد جاء :

في المادة (16) من الإعلان بأن للرجل والمرأة متى بلغا سن الزواج الحق في الزواج وتأسيس أسرة دون قيد بسبب الجنسية أو الدين، ولهما بموجب هذه المادة ذاتها حقوق متساوية عند الزواج وأثناء قيام الزواج وانحلاله.

كما جاء في المادة (18) من الإعلان إقرار حرية إبدال الدين أو المعتقد. فموقف السعودية هذا يندرج ضمن جدلية الخصوصية / العالمية، وهذه مسألة لا يبدو أن الصكوك الدولية لحقوق الإنسان تتنكر لها، فمن المستحيل تخيل وجاهة حجج النسبية الثقافية أو الخصوصية للتحلل من حق الإنسان في الحياة أو من حرمة الجسم والسلامة البدنية والعقلية أو من تحريم الرق والاعتقال أو النفي التعسفيين. فهذه الحقوق تتصل اتصالاً وثيقاً بالركائز الأساسية للكرامة الإنسانية، بصرف النظر عن منظومة القيم التي يرتبط بها الفرد.

أما بخصوص امتناع جنوب إفريقيا عن التصويت، فمرده إلى السياسة التي كان ينتهجها وهي سياسة التمييز العنصري آنذاك، والتي تناقض أبسط حقوق الإنسان فضلاً على أنها عارضت وجود نصوص تعالج الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في الإعلان”(كانت هذه المبادرة بداية اهتمام المجتمع الدولي لرعاية حقوق الإنسان عندما خطت الأمم المتحدة في هذا المجال خطوتها الأولى بوضع قواعد متكاملة تتعلق بحقوق الإنسان.

إن نقطة الانطلاق الأساسية لصياغة الإعلان، كانت من باب القناعة التامة بأن ما جاء في الميثاق لم يكن كافياً. لذلك كان لا بد من أن تبادر المنظمة إلى إظهار مدى اهتمامها بموضوع حقوق الإنسان عن طريق صياغة وثيقة خاصة تطال هذا الموضوع، وليس اعتباره مجرد هدف من بين عدة أهداف تسمى المنظمة لتحقيقها. إضافة إلى أن الاعتقاد السائد في الجمعية العامة للأمم المتحدة وفي أوساط هذه المنظمة العالمية آنذاك، ان حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، لكي يتوفر لها الاحترام بشكل وافٍ ومرضٍ، يجب أن تصاغ أولاً بشكل واضح ومبسط حتى تكون في متناول الجميع حكاماً ومحكومين، أفراداً وهيئات… وقد أشير إلى ذلك في ديباجة الإعلان العالمي

كما أن الدوافع الأساسية لإصدار هذا الإعلان هو :

ازدياد اهتمام الشعوب واستمرار نضالها من أجل حقوقها وحرياتها من جانب

واهتمام المجتمع الدولي بحقوق الإنسان وتوفير الضمانات لها، للمساهمة في تماسك المجتمع الدولي وفي إقرار السلم والاستقرار العالمي من جانب آخر،

وكذلك لعدم معالجة ميثاق الأمم المتحدة لحقوق الإنسان وحرياته بصورة متكاملة ومتناسبة مع ما لحقوق الإنسان من شأن في ترسيخ السلام والتضامن والاستقرار بين الشعوب والأمم.

وانطلاقاً من إدراك واستيعاب هذه الحقيقة من قبل المجتمع الدولي فقد اتجه إلى إصدار هذه الشرعة الدولية لتحقيق التضامن الدولي في الدفاع عن حقوق الإنسان وبالتالي لتحقيق الأمن والاستقرار

يشار الى أن هذا الإعلان، صدر في الواقع بشكل مغاير لكل البيانات التقليدية المتعلقة بحقوق الإنسان والتي درجت الدساتير والقوانين الأساسية على التطرق إليها ولاسيما في القرون الماضية لأنه يعالج كافة حقوق الإنسان الأساسية بصورة متكاملة. إذ لم يقتصر على الحقوق المدنية والسياسية فقط، وإنما تناول أيضاً الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

لقد أخرج الإعلان حقوق الإنسان من شتات الدساتير والتشريعات الوطنية إلى نطاق المجتمع الدولي ومن خلاله أصبح الإنسان في ذاته موضع اهتمام الأسرة الدولية وليس الدول بالنسبة للحقوق التي يتمتع بها.

مضمون الإعلان العالمي لحقوق الانسان

يتألف الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من مقدمة وثلاثين مادة، كُرس فيها حقوق المساواة والحرية والسلامة البدنية.

ففي المقدمة ذُكرت الأسباب التي دفعت الدول الأعضاء لإصدار مثل هذا الإعلان، وذلك بالإشارة إلى أن الاعتراف بالكرامة المتأصلة بين جميع أعضاء الأسرة البشرية وبحقوقهم المتساوية والثابتة هو أساس الحرية والعدل والسلامة في العالم “وإن تناسي هذه الحقوق وازدراؤها قد أفضيا إلى أعمال همجية أذت الضمير الإنساني”، إذ لا بد من أن يتولى القانون حماية حقوق الإنسان لكي لا يضطر المرء، آخر الأمر إلى التمرد على الاستبداد والظلم. كما إن الجمعية العامة تنادي كل فرد وهيئة في المجتمع إلى تعزيز احترام هذه الحقوق والحريات عن طريق التعليم والتربية واتخاذ إجراءات قومية وعالمية لضمان الاعتراف بها ومراعاتها بين الدول الأعضاء ذاتها والشعوب الخاضعة لسلطانها.

أما التقسيم الملائم والأكثر دقة وتفصيلاً ووضوحاً هو ما تم التوافق عليه دوليا حيث تم تقسيمه الى أربع فئات كما يلي

فئة الحقوق الشخصية التي تتضمن حياة الإنسان وحريته وكرامته ومساواته أمام القانون وتحريم الرق والتعذيب والاضطهاد التي نصت عليها المواد (3 إلى 13).

فئة الحقوق الاجتماعية التي تشمل الحقوق العائدة للأفراد في علاقاتهم مع الدولة كحق الجنسية وحق الزواج وحق الملكية وحق اللجوء الذي نصت عليها المواد (14 إلى 17).

فئة الحريات العامة والسياسية المتمثلة بحرية المعتقد والتعبير والاجتماع والانتخاب وتكوين الجمعيات والحق بتقليد الوظائف العامة والاشتراك في إدارة الشؤون العامة التي نصت عليها المواد (18 إلى 21).

فئة الحقوق الاقتصادية والثقافية كالحق في الضمان الاجتماعي والحق في العمل والحماية من البطالة والحق بالراحة والحريات النقابية والثقافية وحقه في مستوى من المعيشة كافٍ للمحافظة على صحته ورفاهيته وحقه في التعليم والحق في التمتع بنظام اجتماعي دولي تتحقق بمقتضاه الحقوق والحريات المنصوص عليها في الإعلان تحققاً تاماً. كما تبرز الواجبات والتبعات التي تقع على عاتق الفرد حيال المجتمع. والتي نصت عليها المواد (22-30).

فهذه الحقوق تتصل اتصالاً وثيقاً بالركائز الأساسية للكرامة الإنسانية بصرف النظر عن منظومة القيم التي يرتبط بها الفرد، كما صيغت بصورة عامة بشكل تسمح للدول مهما كانت ثقافتها أن تقرّها وتتقبلها.