دمشق/ مرجانة إسماعيل
تبرز حوادث من نوع آخر لا تقل خطورة عن التفلت الأمني واستمرار الانتهاكات شبه اليومية بحق المدنيين في العديد من المناطق السورية، ورغم التوترات الطائفية المحتشنجة وعمليات القتل العشوائي، بدوافع طائفية وانتقامية التي تشهدها البلاد منذ أشهر عدة، تتمثل تلك الحوادث في الاستيلاء القسري على منازل المدنيين، تحت تهديد الاعتقال والضرب، من قبل مجموعات مسلّحة محلية يقال إنها محسوبة على السلطات بدمشق.
ويُواجه عشرات السكان في حي عش الورور شمال شرق دمشق، عمليات استيلاء ممنهجة على منازلهم من قبل مجموعات مسلّحة محلية، وسط اتهامات لمختار الحي، المنحدر من منطقة برزة، بـ”التواطؤ” مع تلك المجموعات، وتسهيل عمليات السيطرة على الممتلكات دون مستند قانوني.
وجرى الاستيلاء على أكثر من 50 منزلا في حي عش الورور شمال شرق العاصمة دمشق، في حملة وصفت بـ”الممنهجة”، وفقاً للمرصد السوري لحقوق الإنسان.
يُجبر سكان على إخلاء منازلهم قسرا، تحت تهديد التوقيف أو الاعتقال، بناءً على تهم معدّة مسبقا مثل “الضلوع في جرائم خلال فترة النظام السابق” أو “التشبيح”، ما يجعلهم عرضة للملاحقة الأمنية.
واستطاعت منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” توثيق 12 حالات طرد لعائلات واستيلاء على منازلها في مساكن الديماس، وكذلك التعرف على هوية غالب المُلّاك، من خلال التحدث مع مصادر محلّية، وشهود عيان.
وحدثت الحالات الموثقة في تواريخ متفرقة بعد الـ8 من كانون الأول/ديسمبر 2024، وكانت جميعها تعسفية، إذ قامت الجهات العسكرية الضالعة بطرد العائلات بشكل اعتباطي وتعسفي دون منحها مهلة كافية قبل المغادرة، ودون أن تقدم أي أوامر من محكمة مختصة تتبع الإجراءات القانونية اللازمة، والتي رافقتها حالات اعتقال تعسفي وتهديدات لحياة أفراد من العائلة وإهانات ذات طابع طائفي.
كما رافقت عمليات الطرد اعتقالاتٍ لأكثر من 12 من المقيمين، واقتيادهم إلى جهات مجهولة دون مذكرات قانونية تبرز أسباب الاعتقال، وإخفائهم بشكل قسري، وفقاً للمنظمة.
ورغم تصاعد الحوادث، يمتنع كثير من المتضررين عن تقديم شكاوى رسمية أو الكشف عن هوياتهم، خوفا من الانتقام أو الاعتقال، في ظل غياب أي ضمانات قانونية أو حماية فعلية من السلطات.
واضطر سكان في حي عش الورور إلى بيع منازلهم بأسعار “رخيصة”، في محاولة لتجنّب مصادرتها أو الاستيلاء عليها قسرا. وغادرت العديد من العائلات غادرت الحي باتجاه مناطق يرونها أكثر أمانا، هربا من والمضايقات المتصاعدة، وسط غياب أي إجراءات رادعة من قبل السلطان.
في المقابل تزعم مجموعات أن الأراضي التي تقع عليها هذه المنازل تعود ملكيتها لهم، أو أنها صودرت سابقا من الدولة. إلا أن معظم هذه العقارات، تندرج ضمن فئة “أملاك الدولة” أو “أراضٍ بصفة انتفاع أو وضع يد”، ولا تحمل وثائق ملكية رسمية (طابو)، ما يسهل لعمليات الاستيلاء وفرض السيطرة عليها، وسط غياب الشفافية القانونية وغياب دور مؤسسات الدولة في حمايتها.
وتأتي هذه الحوادث في ظل تصاعد الانتهاكات بحق المدنيين في مناطق متعددة من سوريا، سواء عمليات القتل العشوائي بدوافع طائفية وانتقامية، أو حوادث الخطف المتكررة، لا سيما في الساحل السوري، ومدينة حمص وسط سوريا، ومناطق سهل الغاب في ريف حماة.
ولا شك أن هذه الحوادث العنيفة والعشوائية تعكس هشاشة الوضع الأمني في العديد من المناطق السورية، وتفتح الباب أمام المزيد من التصعيد. فيما يبدو أن غياب المحاسبة وتجاهل السلطات السورية الجديدة لنداءات الأهالي بتوطيد الأمن والاستقرار وضبط هؤلاء المسلحين المنفلتين، وفتح تحقيقات جدية حيال هذه الحوادث، سيزيد حتما الشعور لدى المدنيين بأن الدولة لا تملك القدرة أو ربما متواطئة في انتشار هذه الفوضى الأمنية.
ويُحذر الخبراء من أن استمرار هذا النهج قد يُدخل سوريا في دوامة لا تنتهي من العنف المتبادل، ويؤخر فرص الاستقرار وإعادة بناء الثقة بين مكونات المجتمع.