لكل السوريين

باب أنطاكية… حارس أسوار حلب من الجهة الغربية وشاهد على مجدها العريق

في قلب مدينة حلب القديمة، حيث الأزقة التي تحمل عبق العصور الماضية، يقف باب أنطاكية شامخاً كأحد أقدم وأهم أبواب سور المدينة التاريخي. ليس هذا الباب مجرد مدخل حجري، بل هو بوابة عبور إلى ماضي حلب العريق، حيث تختلط روائح التوابل بصدى القوافل العابرة، وتلامس حجارة الباب أنفاس قرون من الحضارة.

يقع باب أنطاكية في الجهة الغربية من المدينة القديمة، وكان البوابة الأساسية التي تربط حلب بمدينة أنطاكية، وهو ما منحه اسمه. يُرجّح أن البناء الأول للباب يعود إلى العصر الروماني، بينما تم إعادة بنائه وتحصينه في العهد الأيوبي، وتحديداً في القرن الثاني عشر الميلادي، بعد أن أصبحت حلب هدفاً للغزوات التي شهدتها المنطقة. ومنذ ذلك الوقت، تمت إعادة ترميم أسوار المدينة وبواباتها لتعزيز الدفاع عنها.

الباب محاط ببرجين حجريين، مزينين بنقوش تحمل بصمات الفن الإسلامي والبيزنطي، ويُعتبر من أقوى البوابات تحصيناً. كان الباب نقطة دخول رئيسية للقوافل والتجار القادمين من الغرب، كما شكل موقعه الاستراتيجي صلة وصل بين المدينة والأسواق الداخلية، ليصبح مركزاً تجارياً واجتماعياً مهماً في حلب.

وفي حديث مع السائح الأردني خليل المعايطة، الذي يزور حلب للمرة الأولى، قال: “لم أكن أتوقع أن أرى هذا الكم من الآثار العريقة. باب أنطاكية مذهل! وقفت طويلاً أتأمل حجارة الباب وشعرت أنني أسافر عبر الزمن. هذه المدينة تملك كنوزاً لا تُقدّر بثمن، لكنها تحتاج إلى من يعتني بها أكثر.”

حلب، التي كانت محاطة بسور ضخم يضم تسعة أبواب رئيسية، منها باب الحديد، باب النصر، باب قنسرين، باب المقام، وباب الجنان، تُعد نموذجاً فريداً في تخطيط المدن القديمة. كانت الأبواب تُستخدم للتحكم في حركة المرور والتجارة، وكذلك لحماية المدينة من الغزاة. لكن اليوم، لم يتبقَ من هذه الأبواب سوى القليل، وقد طالتها يد الإهمال والتدمير في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد.

وفي لقاء مع أحد مسؤولي مديرية الآثار والمتاحف في حلب (فضّل عدم ذكر اسمه)، قال: “نحن نُدرك تماماً أهمية باب أنطاكية وغيره من المعالم الأثرية، لكن ضعف التمويل وغياب الدعم الحكومي الكافي، إضافة إلى البيروقراطية، أعاقت الكثير من جهود الترميم. هناك دراسات جاهزة لترميم هذه المعالم، لكن التنفيذ يتأخر أو يُهمَل تماماً.” وأضاف: “ما نحتاجه هو خطة طوارئ حقيقية لإنقاذ ما تبقى من تراث حلب.”

يعتبر باب أنطاكية ليس مجرد حجر أو موقع أثري، بل هو رمز لصمود مدينة حلب التي عاشت الحروب والزلازل وخرجت دائماً من تحت الركام. إن الحفاظ على هذا الباب وعلى أمثاله من معالم حلب، هو حفاظ على هوية شعب وتاريخ حضارة عريقة.