تقرير/ خالد الحسين
في مدينة منبج الواقعة في ريف حلب الشرقي، يعيش السكان حالة من الاستياء الشعبي المتصاعد بسبب الانقطاع المتكرر لمياه الشرب والانعدام شبه الكامل للتيار الكهربائي، وسط غياب شبه تام للخدمات الأساسية وانتشار مظاهر السلاح والانفلات الأمني. المدينة، التي كانت يومًا مركزًا حيويًا للحياة التجارية والزراعية، أصبحت اليوم نموذجًا حزينًا لمعاناة السوريين مع تدهور البنى التحتية وغياب الرقابة الرسمية.
في شوارع منبج، حيث الغبار يعلو الأرصفة، والمحال تُفتح على استحياء، يتحدث الناس بمرارة عن واقعهم اليومي الذي يزداد سوءًا. مياه الشرب، التي تُعد حقًا أساسيًا، باتت تأتي في أحسن الأحوال مرة كل أربعة أو خمسة أيام، ولساعات محدودة لا تكفي لملء خزانات البيوت. أما الكهرباء، فلا تتجاوز ساعات الوصل فيها ست ساعات يوميًا، وغالبًا ما تكون متقطعة أو ضعيفة التوتر. هذا الواقع خلق بيئة خانقة للسكان، خاصة في ظل ارتفاع درجات الحرارة في الصيف، وانعدام البدائل الفعالة.
التقى “السوري” خلال جولتنا في المدينة بالسيدة أم علي، وهي أم لأربعة أطفال، تعمل في دكان صغير لتأمين لقمة العيش. تحدثت بلهجة يغلب عليها التعب والغضب، قائلة: “نحن نعيش بلا ماء ولا كهربا، ولا أحد يسأل عنا. الحمّام لا نستطيع استخدامه إلا عندما تأتي المياه، والغسيل نؤجله لأيام. الأولاد لا ينامون من الحر، ولا نستطيع تشغيل المروحة، فكيف سيعيش الإنسان بهذا الوضع؟”. تضيف وقد غلبتها الدموع: “يقولون الدولة موجودة، فأين هي؟ لا نراها إلا على الورق. لا خدمات، لا أمان، لا حياة.”
أما الشاب أحمد، الذي يعمل في محل لبيع الألبسة، فقد ركز في حديثه على انعدام الأمن وانتشار السلاح في المدينة، حيث بات الخوف من إطلاق النار أو الاشتباكات العشوائية جزءًا من الحياة اليومية. يقول: “المظاهر المسلحة في كل مكان، لا تعرف من يسيطر ومن يفرض القانون. كثير من الناس تعرضوا للسرقة أو الاعتداء، ولا أحد يجرؤ على الشكوى. الشرطة غائبة، والدولة غائبة، ونحن نعيش في قلق دائم.”
وتحدث إلينا أيضاً الحاج أبو ياسر، وهو رجل ستيني متقاعد من قطاع التعليم، قائلاً: “منبج كانت من أجمل المدن، فيها نشاط وعمران. اليوم صارت مدينة منسية. الخدمات شبه معدومة، الشوارع مكسرة، القمامة متراكمة، والمستشفيات تفتقر للأدوية والطواقم. نحن نطالب الدولة السورية بأن تتحمل مسؤوليتها. لا يكفي أن تُرفع الشعارات الوطنية دون تطبيق فعلي على الأرض.”
المعاناة لا تقتصر على الانقطاعات، بل تشمل أيضًا آثارها الممتدة على كل جوانب الحياة اليومية. فالمحال التجارية تعاني من ضعف التبريد ما يتسبب في تلف المواد الغذائية، والمدارس التي تعمل بنظام “الدوام الصيفي” تفتقر للتهوية، مما يزيد الضغط على الطلاب والمعلمين. كما أن الانقطاع المستمر للمياه يُجبر الأهالي على شراء صهاريج بأسعار مرتفعة، ترهقهم اقتصاديًا، في وقت يعيش فيه غالبية السكان تحت خط الفقر.
وفي ظل هذه الظروف الصعبة، تتزايد الأصوات المطالِبة بضرورة التدخل العاجل لإعادة الحياة إلى منبج. المواطنون يرون أن الحكومة السورية، بصفتها السلطة السيادية، تتحمل المسؤولية المباشرة في توفير الخدمات الأساسية، أو على الأقل ضمان الحد الأدنى من مقومات العيش الكريم. ويؤكد كثيرون أن الصمت الرسمي تجاه هذه المطالب لن يؤدي إلا إلى تفاقم الاحتقان الشعبي، وفتح المجال أمام المزيد من الفوضى.
أهالي منبج لا يطلبون المستحيل، بل فقط حقوقًا أساسية تضمن لهم الحياة الكريمة: مياه شرب نظيفة، كهرباء مستقرة، أمن في الشوارع، ومستشفى يقدم العلاج. هم يريدون أن يعيشوا كباقي السوريين، وأن تُعاد إليهم مدينتهم التي باتت تُعرف اليوم بأنها “منسية” بكل ما تحمله الكلمة من ألم ومرارة. وفي ظل هذه الظروف القاسية، لا يزال الأمل ضعيفًا، لكنه لم يمت، بأن تستفيق الجهات المسؤولة وتبدأ بمعالجة هذا الإهمال قبل فوات الأوان.