لكل السوريين

أريتوزا مملكة قديمة في سوريا.. كيف تم اكتشافها؟

حمص/ بسام الحمد

بعد توقف الأعمال الحربية في حمص عامة وفي  مدينة الرستن خاصة، عثرت دائرة الآثار والمتاحف في حمص على لوحة فسيفسائية منتصف تشرين الأول الماضي، بعد إخباريات مفادها وجود عمليات حفر وتنقيب غير شرعية في مناطق متعددة من محلة الرستن الفوقاني ، ووجدوا هناك في أكثر من بيت أكثر من لوحة منها كان سيتم تهريبها إلى خارج سوريا.

تبيّن فيما بعد أّنها تعود للقرن الرابع الميلادي مع ملاحظة وجودها تحت منزل سكني، استطاعت المديرية الوصول إلى أن تل الرستن مسجل في عداد المواقع الأثرية عالمياً وهو أرض لمملكة أريتوزا لها شبكة علاقات مع مملكة قطْنا وتدل عليها الرقم الموجودة في تل المشرفة وسبق للمديرية أن حاولت استملاك التل الأثري في عام 2007 ولكن وجود متنفذين من الرستن في ذلك الحين حال دون هذا الأمر.

وخلال الحرب التي دارت في حمص وفي المواقع المذكورة سابقاً تعرضت لعمليات تنقيب وحفر غير شرعي من قبل المسلحين أثناء تواجدهم في المدينة، وتم الكشف على أجزاء من أربعة لوحات فسيفسائية تعود إلى الفترة الكلاسيكية.

يقول قاطنون هناك عن استاءوا من الآثار المكتشفة لكونها ستبعدهم عن مكان سكنهم، وطلب أحدهم مبلغاً كبيراً ثمناً لعقار تنام إحدى لوحات الفسيفساء الضخمة تحته متجاهلاً الثمن الذي تم عرضه عليه ما كان ليحصل عليه لولا الاكتشاف الأثري تحت منزله ورأى آخر أن الاكتشاف سيعود بالمنفعة على الرستن حين تصبح مقصداً سياحياً.

من هي أريتوزا؟

الاكتشاف إرث إنساني يفترض أن تقوم مديرية الآثار في حمص بالكشف عنه كاملاً ليضيء حقبة زمنية غارقة في التاريخ، وليكون مقصداً تاريخياً وسياحياً يعود بالفائدة على الاقتصاد الوطني أكثر مما تدره شركات عامة في محافظة ما .

يجمع المؤرخون والباحثون على أن الرستن هي اريتوزا المدينة السلوقية (ربة المياه) حسب الأسطورة الإغريقية، ووصلت المدينة أوج ازدهارها في الفترة الكلاسيكية، حيث حصلت على الكثير من المميزات خلال فترة حكم أسرة شمشيغرام التي حكمت حمص والرستن في أواخر العصر الهلنستي وأوائل العصر الروماني إضافة إلى أهمية المدينة خلال فترة حكم الأسرة السيفيرية لروما، وتدل آثارها المكتشفة على أهميتها التاريخية والحضارية، حيث إن هذه القطع ذات الأهمية الاستثنائية في الفترة الكلاسيكية تؤشر إلى وجود سويات أثرية بالغة الأهمية ومن أهمها التابوت الرخامي الذي يصور معركة طروادة إضافة إلى لوحة فسيفسائية تمثل بوابة مدينة الرستن.

في الموقع الأول وبعد الكشف الأولي تبين أن الموقع المشار إليه هو منزل سكني يحتل العقار (276_277)، وهو مؤلف من 5 غرف وحديقة بالإضافة إلى الخدمات، وبالكشف على الحفرة التي تم إحداثها والإبلاغ عنها والموجودة في الغرفة الوسطى من الجهة الشرقية للمبنى، بحسب مديرية الآثار.

بلغ أبعاد الحفرة(200/160سم)وتنخفض عن سطح المبنى في أخفض نقطة منها ثلاثة أمتار ونصف المتر، حيث توجد مكعبات حجرية تشكل اللوحة الفسيفسائية، ولوحظ وجود أنفاق تم ردمها مؤخراً (نفقان يتجهان باتجاه الشمال ونفقان آخران يتجهان باتجاه الجنوب). بدأ العمل بترحيل الأتربة الخارجية، وتم التوسع وفتح سبر بشكل منهجي ليشمل كامل مساحة الغرفة (300/400سم). ما تم رفعه من طبقات السبر كانت ردميّات حديثة العهد تحتوي على كسر فخارية متعددة الطرز واللون والسماكة أغلبها يعود إلى الفترة الكلاسيكية، بالإضافة إلى وجود كسر إسمنتية وبقايا أكياس بلاستيكية تعلو سطح اللوحة، الأمر الذي يؤكد أن اللوحة تم الكشف عنها مسبقاً ثم تم ردمها حديثاً قبل إبلاغ مديرية الآثار في حمص عنها. ومن ثم تم الكشف عن قناة فخارية تقع في الجهة الشمالية للوحة ممتدة من الشرق باتجاه الغرب تعلو لوحة الفسيفساء ب 80سم.

تم تنظيف سطح اللوحة وإظهار معالمها. اللوحة ذات مضمون ميثيولوجي أسطوري إغريقي تمت صياغتها بأسلوب محلي يميز الفن السوري في الفترة الكلاسيكية، نُفذت اللوحة بمكعّبات حجرية متعددة الألوان على خلفية بيضاء. تمت دراسة الحالة الفنية للوحة, اللوحة بحالة جيدة باستثناء فقدان وانقطاع للمكعبات في الجزء الجنوبي الغربي منها وكما تظهر بعض الشقوق على سطح اللوحة.

تعد هذه من أجمل وأهم اللوحات الفسيفسائية التي تم الكشف عنها حتى الآن والتي تمثل بوسيدون إله البحر مع النيريدات (حوريات البحر) القسم المركزي من اللوحة (أمبليما) يمثل الإله بوسيدون إله البحر يعتلي عربة تجرها أربعة خيول وهي رمز له ويحمل بيده حربته ثلاثية الرؤوس.

بجانبه زوجته أميموني, يحيط بهما تصوير لرجلين الأيمن منهما تعلوه كتابة تيتوس, أما الرجل الأيسر فهو يمسك بلجام الحصان الأخير يعلوه ذكر لاسم جالينوس. يبلغ أبعاد القسم المركزي وحده (67/67سم) ويحيط بالقسم المركزي شريط مصور يمثل بعض الربات مثل ولادة الربة أفروديث من الصدفة وبالإضافة إلى بعض الشخصيات الأسطورية المرتبطة بالإله بوسيدون مثل زوجته امفتريتي, كما يمكن تحديد بعض الأسماء التي تم تصويرها وذكرها مثل دورا, جالاتيا وغيرها وتبلغ أبعاد الشريط المصور (80/230سم).

أما الكورنيش (الإطار الخارجي ) فيحتوي على زخارف هندسية مؤلفة من عدة إطارات وهي على التتابع: إطار من مربعات ثلاثية البعد, إطار ثاني من دوائر متقاطعة, إطار ثالث مؤلف من جديلة ثلاثية, إطار رابع مُشكل من جديلة ثنائية، أما الإطار الخامس فهو مربعات تحتوي على جدائل عموديه ثنائية. يبلغ العرض التقريبي للكورنيش (260سم).

وبحسب حسام حاميش رئيس دائرة الآثار والمتاحف بحمص أنه بالتنسيق مع متحف نابولي الإيطالي تم شراء المنزل المجاور الممتد تحت اللوحة التي أعلنت عنها في 12/10 من العام الماضي وتم استملاكه، والعقبة اليوم في البيت الثالث ويجري النقاش مع أصحابه لشرائه وحين يتم الشراء سيتم الحفر لمستوى منسوب اللوحة.

وتتوقع مديرية الآثار  والمتاحف أن تظهر لوحات أخرى بجوارها لكون التل كله أثرياً وتوجد جدران لمبانٍ ومعابد، وبعد أن وثقوا 9 لوحات، ومعظم البيوت التي وجدت اللوحات تحتها فارغة باستثناء بيت الأشتر فهو بيت مأهول. في حين  أن القيمة الأثرية لـ للوحات لا تقدر بثمن.