حلب/ خالد الحسين
بعد انقراضه لمدة تتجاوز عشرات السنوات خبز التنور يعود من جديد لينتشر على مفارق الطرق في ريف مدينة حلب.
للتنور حكايته التي ترتبط بذاكرة ريفنا الجميل الذي كانت نساؤه تشتهر بصناعة هذا الخبز دون غيره، ليتحول هذا التنور مع مرور الزمن إلى ذكريات يقصها أبناء الريف الذين أمضوا طفولتهم في قراهم، عن رائحة الخبز الشهي التي تنتشر لمسافات، و لذة طعمه، لنعود اليوم و بسبب تقنين الخبز العادي لنرى خبز التنور يعود من جديد، لعدم كفاية كميات الخبز بعد تحديد مخصصات كل أسرة عبر البطاقة الذكية.
كما عاد خبز التنور أيضاً كعمل ومصدر رزق للكثيرين، فترى على مفارق الطرقات في ريفنا الحلبي تموضع التنانير لعشاق هذا الخبز الشهي والذي فيه كل البركة.
تواصلت صحيفة (السوري) مع الباحث في الآثار والتراث الشعبي محمد زكي الذي حدثنا عن التنور أيام زمان فقال: “كان التنور رمزاً من رموز القرية وخصائصها، حيث اتخذ صفة اجتماعية لارتباطه برغيف الخبز، وهذا ما جعل منه شيئاً ذي أبعاد إنسانية، وجعله حلقة ملونة تبدأ بالأرض وتنتهي بالإنسان”..
وأضاف: على مدى مئات السنين كان التنور ملتقى نساء القرية صباحاً وعند فترة الغروب، و محط راحة لهن، ومجلس حديث بعد رحلة عمل يومية شاقة تبدأ من شروق الشمس حتى مغيبها.
وأشار الدكتور زكي الى أن “أهم ما يميز خبز التنور هو طعمه اللذيذ، و رائحته القوية النافذة التي تشق القلب و التي كانت تنتشر في كل حارة من حارات الضيعة التي يوجد فيها تنور، تلك النكهة التي يكمن السر فيها الى الروائح العطرية التي تحتويها أغصان الشجر، خاصة الغار والبطم والصنوبر أو الزيتون والسرو “، لافتاً الى أن المثل الشعبي لم يغفل عن ذلك، حيث كانت تردد العامة على ألسنتها مقولة “أقعد إذا عجنت وانهض إذا صحنت”
ولأن المثل مرآة الواقع وخلاصة التجارب والحياة، فقد غمز في قناة النساء وقال: “الله يستر من حكايات النسوان على التنور وعين الماء”.
وذكر الدكتور زكي أنه رغم إعادة إحياء التنور، و انتشاره الواسع من جديد في كل القرى وعلى الطرقات العامة ليصبح مورد رزق لكثير من العائلات، إلّا أن رائحة الخبز اليوم لا تتعدى رائحة المكان الموجود فيه التنور، و التي كانت أيام زمان نشمها على مسافة بعيدة، و كان يسيل لها لعابنا ونشتهي لقمة من رغيفه، رغم أنه توضع حالياً الأغصان العطرة نفسها، موعزا سبب تغير طعم الرغيف كثيراً لطعم الحنطة التي تغيرت أيضاً بسبب الأسمدة الكيماوية التي قللت من خصوبة الأرض وفائدة مكونات التربة.
وعن حال نساء القرية اللواتي يخبزن ويجتمعن حول التنور، أشار الى ان حكاياتهن كانت تبدأ ولا تنتهي، إذ كانت نساء القرية سابقاً، قلما يجتمعن في الأيام العادية إلّا على التنور وعين الماء، لأن كلاً منهن كانت تتنقل طيلة يومها بالأعمال المختلفة، و لا تجد متنفساً لها إلّا في تلك الأوقات، إذ تعد أوقات جلب الماء وخبز العجين من أوقات الفراغ واللهو آنذاك، حيث كانت كل واحدة منهن تفرغ ما في جعبتها من أحاديث علنية أو سرية، فلمة التنور هو مراح نساء القرية وتسليتها.