لكل السوريين

السرطان.. مرض ينهش بالمريض وعائلته

حماة/ جمانة الخالد

تواجه عائلات في حماة معركة شرسة ضد مرض السرطان في ظل نقص حاد في الأدوية وارتفاع جنوني في أسعارها. داخل أروقة مشفى حماة الوطني، يجلس أبو علي، وهو أب لأربعة أطفال، بجانب سرير زوجته التي تخوض معركة ضد سرطان الثدي. “كل أسبوع نذهب إلى الصيدلية ونعود خاليي اليدين”، يقول الرجل الخمسيني بصوت مكسور. “الدواء الذي تحتاجه زوجتي غير متوفر في المشافي الحكومية، وفي الصيدليات الخاصة ثمنه 2.5 مليون ليرة للجرعة الواحدة. كيف لي أن أجد هذا المبلغ وأنا موظف براتب لا يتجاوز 400 ألف ليرة شهرياً؟”

هذه المعاناة ليست قصة أبو علي وحده، بل هي واقع يعيشه المئات من مرضى السرطان في محافظة حماة. فوفقاً لمصادر طبية في المشفى الوطني، فإن قائمة الأدوية المنقوصة تشمل أكثر من 80% من الأدوية الكيميائية الأساسية لعلاج السرطان. يقول الدكتور أحمد، وهو أخصائي أورام في المشفى (رفض ذكر اسمه الكامل لأسباب أمنية): “نضطر يومياً لإخبار المرضى أننا لا نملك الدواء الذي يحتاجونه. بعض الحالات يمكن تأجيل علاجها، لكن هناك حالات حرجة لا تحتمل الانتظار.”

وتتحول أدوية السرطان في صيدليات القطاع الخاص بحماة، إلى سلعة فاخرة لا يقدر عليها إلا القلة. دواء “بيمبروليزوماب” لعلاج بعض أنواع السرطان المتقدمة يباع بحوالي 12 مليون ليرة للجرعة، بينما دواء “تراستوزوماب” للسرطان الثدي يتجاوز سعره 8 ملايين ليرة. هذه الأسعار الفلكية تضع العلاج خارج متناول معظم العائلات في محافظة تشهد تدهوراً اقتصادياً حاداً منذ سنوات.

أم سامر، وهي أم لثلاثة أطفال تعاني من سرطان الغدد الليمفاوية، تروي معاناتها: “بعت خاتم زواجي وذهباتي الصغيرة لشراء جرعتين من العلاج. الآن لم يعد لدي شيء لأبيعه.” تقضي هذه السيدة أيامها بين المستشفى وزيارات متكررة لمقر جمعية خيرية محلية تقدم بعض المساعدات، لكنها غير كافية لسد النقص الهائل في الأدوية.

وتشهد جمعية “يد العون” الخيرية في حماة، والتي تقدم الدعم لمرضى السرطان، ازدحاماً غير مسبوق هذه الأيام. يقول رئيس الجمعية: “في السابق كنا نساعد 20-30 مريضاً شهرياً، أما الآن فالعدد تجاوز 100 مريض. التبرعات لا تكفي، والأدوية أصبحت باهظة الثمن.” أطلقت الجمعية حملة طوارئ لجمع التبرعات، لكنها تواجه صعوبات كبيرة في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعيشها المدينة.

تزداد المعاناة في ريف حماة الشمالي، بسبب بعد المسافة وندرة مراكز العلاج. المريض محمد من قرية كفرزيتا يضطر للسفر يومياً إلى مدينة حماة لتلقي العلاج الإشعاعي. “تكلفة المواصلات وحدها تصل إلى 50 ألف ليرة يومياً”، يقول الشاب الثلاثيني الذي يعاني من سرطان الحنجرة. “كيف يمكن لفلاح بسيط مثلي أن يتحمل هذه التكاليف؟”

ويعاني المستشفى الوحيد في المحافظة الذي يقدم علاجاً للأورام من نقص حاد في المعدات والأدوية. ممرضة في قسم الأورام تشرح (رفضت ذكر اسمها): “نضطر أحياناً لاستخدام أدوية بديلة أقل فعالية بسبب عدم توفر الأدوية الأساسية. في بعض الأيام، نطلب من المرضى تأجيل جلسات العلاج الكيميائي لأن الأدوية لم تصل بعد.”

ودفه هذا الوضع المأساوي بعض الأطباء إلى البحث عن حلول بديلة. الدكتور ياسر، وهو طبيب أورام، بدأ بمشروع صغير لمساعدة المرضى: “نحاول توفير الأدوية عبر التواصل مع منظمات دولية وشركات أدوية، لكن العملية معقدة وتحتاج وقتاً طويلاً. بينما السرطان لا ينتظر.”

وفي الأحياء الشعبية بحماة، تتحول البيوت إلى صيدليات صغيرة حيث يتشارك المرضى ما تبقى لديهم من أدوية. أم علي، التي فقدت زوجها بسبب السرطان قبل عام، تقدم ما تبقى من أدوته لمرضى آخرين: “ربما تنقذ هذه الأدوية حياة شخص آخر”، تقول بينما تمسك بعلبة دواء لم يعد زوجها بحاجة إليه.

تفتح أزمة أدوية السرطان في حماة ملفاً أكبر يتعلق بانهيار القطاع الصحي في سوريا بشكل عام. فبالإضافة إلى النقص في الأدوية، يعاني القطاع من هجرة الكوادر الطبية ونقص المعدات وتراجع الخدمات. المريضة سلوى، التي تعاني من سرطان المبيض، تلخص المأساة: “في السابق كنا نخاف من المرض، أما اليوم فنخاف من عدم وجود علاج.”

- Advertisement -

- Advertisement -