لكل السوريين

بين غصة بيع المنزل ورغبة الخروج.. هاجس الهجرة يتسع في سوريا!

حلب/ خالد الحسين

باتت الهجرة خارج البلاد، هاجسا يراود مخيلة الكثير من قاطني محافظة حلب، شمال غربي سوريا، ولا سيما ما بقي من الفئات الشابة، التي أيقنت أن البقاء داخل سوريا، كمن يحاول حفر حفرة كبيرة بملعقة طعام.

ولا يقتصر موضوع الهجرة وتفكيرها على قاطني حلب فقط، بل هذا الحال ينطبق على جميع قاطني المحافظات الخاضعة لسيطرة حكومة دمشق، حيث الفقر المدقع والغلاء الفاحش والفساد المستشري، كل هذه الأمور باتت دوافع قسرية أجبرت ولا تزال تجبر الكثير للتفكير في الخروج من مستنقع البلاد، حتى لو كانت الوجهة لدولة من العالم الثالث.

بعض السوريين باتوا يفضّلون بيع منازلهم لتأمين ثمن الهرب من الحرب والأوضاع الاقتصادية الخانقة.

“لا أمل في هذه البلاد، ربما سيأتي يوم نتحسّر فيه أننا لم نقُم بما يلزم للحفاظ على ما تبقى من حياتنا، وما تبقى من كرامتنا”، يقول سالم الحمد الذي يبلغ من العمر 55 عاماً من سكان حلب ، مؤكداً أن “السفينة” في سوريا “تغرق بشكل متسارع”، وأن المنطق يقتضي من العاقل أن يقفز من هذه “السفينة”.

سالم أب لأربعة أطفال، يعيش معهم وأمّهم في شقة يملكها منذ ما قبل اندلاع الحرب. يروي لـ”السوري” كيف صمد خلال سنوات الحرب في سوريا وآثر ألا يترك البلاد، وتحمّل نتيجة ذلك “فاتورة” ثقيلة لم يعد يقوى على دفعها.

سالم موظف حكومي (لم يحدّد نوع وظيفته لأسباب خاصة)، يتقاضى راتباً شهرياً يبلغ بعد الزيادة الأخيرة 300 ألف ليرة سورية (نحو 21 دولاراً بحسب سعر الصرف الحالي بأسواق العاصمة)، ويعمل كذلك في متجر صغير كمحاسب مسائي بنصف دوام، ويتقاضى هناك ما يقارب الـ 200 ألف. يقول إنه لو كان مستأجراً في هذه الأيام لاضطُر للتسوّل أو لبيع عضو من جسده ليؤمّن إيجار المنزل.

“استطعت شراء بيتي المؤلف من غرفتين وصالة في العام 2010، وحينها كان سعر منزلي لا يتجاوز مليوناً ونصف مليون ليرة، أما اليوم ومن خلال متابعتي سوق العقارات، فإنه بيتي يساوي ثروة كبيرة”، يتابع سالم الذي يستبعد أن يبيع منزله من أجل مشروع تجاري صغير، ويؤكد أن الأوضاع في سوريا الآن، وفي حلب خاصة، “لا تشجّع على الاستثمار ولو بليرة واحدة”، بسبب الانهيار الاقتصادي المتواصل، وتقلّب صرف العملة، “كما ترى، حتى أصحاب المشاريع الكبيرة باعوا كل ما يملكون وهاجروا خارج سوريا”. يقول ثم يسأل: “هل سنكون نحن أصحاب الدخل المحدود أكثر ذكاءً منهم لنبقى ونستثمر هنا؟”.

تدهورت أحوال العاملين في سوريا بشكل متسارع، حيث أن قيمة دخلهم لا تتناسب مع متطلبات المعيشة، فبينما يترقب السوريون تغيرات سعر صرف الليرة السورية بعد أن باتت هذه المسألة الشغل الشاغل لهم، خاصة مع تأثر أسعار السلع والخدمات بسبب تطورات سعر الصرف اليومي الذي لا يتناسب بتاتاً مع الوضع المعيشي بشكل عام في البلاد

خلال المقابلة التي أجريناها معه في منزل متوسط المساحة، لا يحوي الكثير من الأثاث، يؤكد حسام أنه عازم على بيع بيته لمغادرة سوريا “حتى ولو إلى جزر القمر” بحسب تعبيره. أصبح يرتاد المكاتب العقارية وكأنها وظيفة يومية، يتابع فيها أسعار العقارات، لعله يحظى بزبون جاهز للدفع، ويكون حظه أفضل من آخرين باعوا بيوتهم لمشترين دفعوا المال على عدة مراحل.

“المرحلة التي تصل فيها إلى أن تبيع بيتك من أجل الهجرة الاضطرارية خارج بلادك مؤلمة جداً، لكن الخيارات انعدمت أمامنا، ظنّنا أن الحرب انتهت، لكننا صرنا نتحسّر حتى على أيام الحرب الحقيقية، حينها كنا مهددين بالموت في أي لحظة، لكننا كنا قادرين على أن نشتري طعامنا وشرابنا على أقل تقدير”، لا يُخفي حسام حزنه على قراره الذي اتخذه بالتشاور مع زوجته (48 عاماً)، لكنه في الوقت نفسه يعبّر عن أمله بأن المبلغ الذي سيحصل عليه من بيع البيت سيكفي لرحلة وصوله إلى أوروبا.

كحال حسام، يعيش السوريون في مناطق الحكومة السورية أوضاعاً معيشية قاسية، وسط انهيار اقتصادي متسارع ظهرت ملامحه في قرارات رفع الدعم عن المحروقات والكثير من لوازم الحياة الرئيسية، ويتزامن ذلك مع انخفاض كبير في قيمة الليرة السورية، التي بلغ سعرها الحالي أمام الدولار الواحد في أسواق العاصمة السورية نحو 14 ألف ليرة.

وأدّت الأزمات المعيشية مؤخراً إلى حدوث موجة احتجاجات غير مسبوقة في محافظة السويداء جنوب غرب سوريا، تتواصل منذ منتصف شهر أغسطس الماضي، تزامنت مع ارتفاع أصوات تنتقد الحال التي وصلت إليها سوريا، من ناشطين وصحفيين في الساحل السوري، الذي ظل طيلة سنوات الحرب يؤمن دعماً وتأييداً للحكومة السورية.