لكل السوريين

المدرسة الخسروية منارة العلم ومنبع علماء حلب

حلب/ خالد الحسين

وصفت بأنها أول مدرسة انشأت في العهد العثماني، أوصى بإنشائها والي حلب ( خسرو بن سنان باشا) مولاه فروخ بن عبد المنان الرومي وانتهى من عمارتها مدرسة 951هـــ, وأوقف عليها الوالي المذكور وأخوه مصطفى باشا في وقفياته المتعددة أوقافاً عظيمة تبلغ ثلاثمائة عقار, فيها الخانات والحمامات والأسواق والطواحين والأراضي الزراعية وغيرها وقد فصل الواقف هذه الأوقاف وسبل صرف ريعها بوقفياته بشكل يثير العجب والدهشة, وعين لها ناظراً وجباة وكتاباً وشيوخاً مسلّكين وحفاظاً وقراء وإماماً وخطيباً ومؤذنين ومراقب دوام وطباخين ومساعدين لهم وخداماً وغير ذلك من القائمين على هذه المدرسة, ورتب لكل واحد منهم راتباً معلوماً أما المدرسة فقد عين لها مدرساً واحداً شرط أن يكون حنفي المذهب وأن يعينه الحاكم أو القاضي الشرعي, كما شرط أن يكون عدد الطلاب فيها ثمانية طلاب يقرؤون العلم على المدرس المذكو.

سارت أمور هذه المدرسة بشكل جيد أول أمرها, وتولى التدريس فيها عدد من كبار العلماء أمثال العلامة الشيخ تاج الدين ابراهيم الصنوي المتوفى سنة 973هـــ , والعلامة الشيخ نصوح بن يوسف الأرنؤوطي المتوفى سنة 981هـــ, ثم أضحى التدريس فيها رتبة سلطانية يُعطاها كل من تولى الإفتاء في حلب فمن المفتين الذين تولوا التدريس فيها المفتي عبد اللطيف الزوائدي المتوفى سنة 1132هــ, وأبو السعود الكواكبي المتوفى سنة 1137هــ, وآخر شيوخها قبل عملية الإصلاح الشيخ ابراهيم سلقيني المتوفى سنة 1367هجري, وفي سنة 1266هجري  حصلت فتنة حلب المعروفة ب(قومة البلد) بين (السيدة والإنكشارية), فقصدها بعض رجال (القومة) ونزعوا ماعلى قبابها من رصاص وصبوه مقذوفات لبنادقهم، فزادت تخريباً وإهمالاً وبقيت على هذه الحال إلى أوائل هذا القرن فاهتم بها الوالي جمال باشا ورمم قبلية الجامع وذلك سنة 1302 هـــ.

وفي سنة 1330هـــ كان المتولي على أوقافها الشيخ محمد رضا الزعيم, فجدد حجرات المدرسة ورمم رواقها الشمالي وذلك بمساندة بعض علماء المدينة وعلى رأسهم الشيخ ابراهيم السلقيني رحمه الله إلا أنه لم يستطع إكمال عمله هذا لإنه رحل عن مدينة حلب وفي سنة 1333هـــ, وأثناء الحرب العالمية استولى العسكر العثمانيون على المدرسة وشغلوها بجنودهم وذخائرهم وبعد انتهاء الحرب سكنها بعض الغرباء فعطلوا معظم ماكان الشيخ الزعيم والشيخ السلقيني قد بدأ بترميمه وتجديده, و في سنة 1338 هـــ اهتمت مديرية الأوقاف بإشراف مديرها الأستاذ يحيى الكيالي بالمدرسة فأخرجت الساكنين منها وعملت على ترميمها وإكمال بناء الحجرات في طرفها الشرقي, وأعيدت لها مكانتها العلمية بمساعي مدير الأوقاف المذكور مع نخبة من العلماء وعلى رأسهم الشيخ محمد راغب الطباخ, ثم أعيد افتتاحها سنة 1340هــ  بعد أن وضع لها نظام خاص ورسمت لها المناهج الجديدة وجمع لها أكبر علماء البلد للتدريس فيها وأطلق عليها : المدرسة العلمية.

ومن أهم مناهج المدرسة العلمية (الخسروية) القرآن الكريم تلاوة وتجويداً, ومدرسه الشيخ أحمد حامد الأبوتيجي المدني والشيخ محمد نور المصري, والتفسير ومدرسه الشيخ أحمد الشماع, والحديث النبوي الشريف: ومنهاجه على الترتيب التالي : الأربعون النووية الشمائل المحمدية للترمذي,  بهجة النفوس (مختصر صحيح البخاري) لابن أبي جمرة الأزدي, الجامع الصحيح للإمام البخاري بشرح القسطلاني, ومدرسه الشيخ : كامل الهبراوي, ثم الشيخ محمد راغب الطباخ, مصطلح الحديث : منهاجه مقدمة ابن الصلاح ومدرسوه الشيخ محمد راغب الطباخ والشيخ أحمد الكردي.

التوحيد وعلم الكلام(المنطق) منهاجه: المنهاج السديد شرح جوهرة التوحيد ورسالة التوحيد لمحمد عبده مدرسه الشيخ محمد الحنيفي ثم الشيخ فيض الله الكردي.

الفقه الحنفي: منهاجه مجلة الأحكام الشرعية وحاشية ابن عابدين ومدرسوه الشيخ أحمد الزرقا والشيخ أحمد الكردي والشيخ محمد سلقيني والشيخ محمد الرشيد.

الفقه الشافعي منهاجه: اقناع شرح متن أبي شجاع وشرح منهج الطلاب ومدرسوه: الشيخ أحمد المكتبي, والشيخ محمد سعيد الإدلبي, والشيخ محمد أسعد العبجي, والشيخ عمر المارتيني.

والفرائض منهاجه: شرح السراجية وشرح الرحبية ومدرسوه: الشيخ عبد الله المعطي, والشيخ فيض الله الأيوبي, والشيخ مصطفى باقو والتربية والأخلاق: مدرسها الشيخ عيسى البيانوني, والسيرة والتاريخ: منهاجها: نور اليقين في سيرة سيد المرسلين, وإتمام الوفاء في سيرة الخلفاء للشيخ الخضري ومدرسوها : الشيخ محمد راغب الطباخ وأمين الله عيروض

النحو والصرف والبلاغة وبقية علوم اللغة العربية : من منهاجها: شرح ألفية ابن مالك وحاشية الخضري عليه، من مدرسيها: الشيخ أحمد المكتبي, والشيخ عمر الأس, والشيخ محمد الناشد, والشيخ أحمد الكردي, والشيخ عبد الله حماد والرياضيات: ومدرسها الشيخ أبو السعود الكيالي, وأمين الله عيروض, والجغرافيا: مدرسها الشيخ مصطفى باقو

العلوم العامة والصحة: مدرسها الشيخ أمين الله عيروض.

أما نظام المدرسة فيقضي بأن يكون الطالب الراغب بالانتساب إلى المدرسة متقناً تلاوة القرآن الكريم, ويفضل أن يكون حافظاً له أو لأجزاء منه وأن يكون متقناً مبادئ اللغة العربية والفقه, وتجرى له مسابقة قبول يقبل الناجح فيها دون النظر إلى سنه ولا يجوز له الرسوب في صفه أكثر من سنة واحدة, وأن يلتزم بالزي الشرعي الجبة والعامامة وبالأخلاق الإسلامية وفضائلها، مدة الدراسة في المدرسة ست سنوات يتخرج الطالب بعدها حائزاً على شهادة المدرسة التي تعتبر إجازة من مدرسيه في المواد المتقدم ذكرها يوقع عليها كل المدرسين, بالإضافة إلى مدير المدرسة ومدير الأوقاف ومفتي المدينة وكان التدريس في أول أمر المدرسة يتم على شكل حلقات علمية, ثم جعلت فيها صفوفاً مقاعد للطلاب ومنبر للمدرس وسبورة, و يمنح الطلاب الغرباء غرفاً للمبيت فيها في المدرسة نفسها أو في أي مدرسة من المدارس المضمومة إليها, ويعطى الطلاب راتباً شهرياً ضئيلاً يبدأ بليرتين سوريتين شهرياً ويرتفع مع تقدم الطالب في صفوفه حتى يصل إلى تسع ليرات في الصف السادس, وهكذا أعيدت الحياة إلى هذه المدرسة وغدت من أعظم المدارس الشرعية بحلب بل في سوريا كلها وأصبحت تعرف بأزهر حلب بأزهر سورية.

يقول الشيخ محمد الحامد: رحلت إلى حلب فانتسبت فيها إلى المدرسة الخسروية الشرعية, إنها لأرقى من مدرسة حماة الشرعية فيها علماء أجلاء فطاحل محققون تشد إليهم الرحال, ويؤخذ عنهم ويؤنس بهم في الدين والخلق, فضلاً عن المناهج الواسعة التي تدرس فيها, وعند تخرج الطالب فيها يمنح شهادة تعتبر بمثابة إجازة عامة من كل شيوخه الذين يمهرونها بتوقيعهم, بالإضافة إلى توقيع مدير المدرسة ومدير الأوقاف ومفتي المدينة والقاضي الشرعي ويسجل فيها كل المواد التي درسها الطالب في هذه المدرسة.