لكل السوريين

من السويداء إلى عدة محافظات أخرى.. تجددت المظاهرات، فهل سنشهد ولادة ثورة سوريا أخرى

حاوره/مجد محمد

للأسبوع الثاني على التوالي تستمر الاحتجاجات في مدينة السويداء، الاحتجاجات التي بدأت بأضراب شامل، شمل المحال التجارية والمؤسسات الحكومية والتعليمية على خلفية رفع حكومة الأسد الدعم عن المحروقات، الاحتجاجات التي عادت بالثورة السورية إلى رونقها الأول عندما انطلقت معيدة بنا الزمن إلى المظاهرات السلمية التي انطلقت في عام ٢٠١١، التظاهرات الآن التي عمت عموم السويداء سرعان ما انتقلت إلى جارتها مدينة درعا وريفها وتعالت الأصوات والمطالبات بأسقاط النظام، وما أن جاء يوم الجمعة المنصرم عمت التظاهرات المساندة للسويداء في محافظات الرقة والحسكة ودير الزور وإدلب وريف حلب، جميعها مطالبة بأسقاط النظام ومعلنين أن الثورة رغم كل ما حدث لم ولن تموت.

و للحديث عن هذا الموضوع، وبهذا الخصوص، عقدت صحيفتنا لقاءاً مطولاً مع الاستاذ أنطون إبراهيم العضو في حزب التطوير الديمقراطي والحاصل على درجة الماجستير في القانون المدني، ودار الحوار التالي:

*أستاذ أنطون مرحباً بك بداية، من السويداء إلى عدد من المحافظات السورية، كيف تراقب تسارع الأحداث في الجنوب السوري وانتشاره في باقي المحافظات؟

اهلاً ومرحباً بك، لا أقول بلغ السيل الزبى وإنما وصلت الأمور إلى القاع ولم يعد هناك مجال للاحتمال والإبقاء على هذا الوضع، والإبقاء على هذا النظام الذي صار واضحاً حتى لمن كان يسانده والموالين له، إنه لم يعد نافعا لشيء وإنه لا مجال لتغيير الأوضاع المزرية في بقاءه، الآن كل الجبهات توحدت في مطلب واحد وهو إسقاط النظام، وبالتالي هناك تغير حقيقي في التصورات وفي تبني المواقف ولم يعد من الممكن الكذب على البعض ولم يعد من الممكن تمويل من كان يمولهم أيضاً، وبالتالي الأمور الآن قلبت كلها والناس جاعت، والجوع يوحد الناس أحياناً على اختلاف انتماءاتهم وعلى اختلاف تصوراتهم للأمور فالوضع في مناطق سيطرة الحكومة بات تراجيدياً، وربما سرع ذلك شيئان اثنان وهما مقابلة بشار الأسد مع سكاي نيوز والتي اتضح فيها أنه فعلاً ذاهب بسوريا إلى الموت الحتمي, والشيء الثاني وهو قرار رفع الدعم، وحينما رفع الدعم أدرك الشعب انهم ذاهبين من فقر حقيقي إلى موت معلن، وأنا حينما أقول ذلك فهو ليس عيباً، فثورة الجياع هي من أكبر الثورات وأكثرها نبلاً في العالم، فثورة الجياع لا تلغي المطالب السياسية، والشعارات المرفوعة ليست أعطونا خبزاً، وإنما الشعارات سقفها واضح وهو إسقاط الحكومة والنظام.

*إذاً الاحتجاجات جاءت نتيجة الأوضاع الاقتصادية، ولكنها شرارة للمطالب السياسية، هل هي ولادة ثورة جديدة؟

السوريين الآن ضمن سيطرة الأسد على ثلاثة أصناف لاجئ ونازح ومتسول، لا يمكن لشعب كريم طالب بالحرية على مدار ثلاثة عشر عاماً أن ينتهي هكذا، ولأكون واقعي أنا متفاجئ من اندلاع مظاهرة السويداء, وانتقالها السريع للمحافظات الأخرى بهذا العدد وبقوة هذه الشعارات، لأنه تقريباً تعلمنا من التاريخ إنه بعد عقد كامل من القتل والتعذيب واستخدام كل الطرق الممكنة للترهيب من سلاح كيميائي وحصار حتى الموت وتجويع وأمطار مدن بأكملها بالبراميل المتفجرة، لن تتوقع أن يخرج شخص ويطالب بإسقاط النظام بعد كل هذا، ولذلك نستطيع أن نقول إن هذه هي الولادة الجديدة للثورة السورية، ولكنها تحتاج إلى شجاعة مضاعفة عن الشجاعة التي خرجت بها المرة الأولى لأن السوريين جميعا رأوا بأعينهم ما حدث من آلة إجرام للنظام النازي في السنين التي خلت، وعلينا إلا نتوقف حتى لا تتكرر المأساة مرة أخرى.

*إذاً هنا السؤال، كيف سيكون رد نظام الأسد على هذه المظاهرات وكيف سيكون رد المجتمع الدولي؟

للأسف الآن هذه المظاهرات لا تحتل أولوية بالنسبة للمجتمع الدولي ولذلك من المهم أن يأخذ السوريون زمام المبادرة بشكل أكبر، يعني تصعيد هذه المظاهرات وإعطائها زخم جديد وأيضاً تحريك الأطر السياسية المعارضة بشكل أو بآخر من أجل الدفع أن تأخذ هذه المظاهرات حيزها على الأجندة الدولية ودفع الأمم المتحدة للقيام بشيء ما، على الأقل تنفيذ القرار ٢٢٥٤ الذي تقريباً أصبح ميتاً على مدى العامين الماضيين وبالتالي هذه تعطي حياة جديدة للثورة السورية وبنفس الوقت أن نتعلم الدروس من العشر سنوات الماضية، والذي أتوقعه بالنسبة لنظام الأسد الرد واضح ومحسوم، رد أمني وعسكري ومحاولة إطلاق الشبيحة على هؤلاء المتظاهرين, ومحاولة فك هذه التظاهرات كما حدث سابقاً مع السويداء، إذا ازدادت حركة المظاهرات يبدأ النظام بأطلاق النار عليهم وبعد ذلك نفس الخيار السابق الذي اعتمده النظام في عام ٢٠١١، ويجب ألا نتوقع أن نظام الأسد يحمل أي تغيير لا على المستوى السياسي ولا على المستوى الاقتصادي والعسكري.

*الحراك السوري ساند بعضه من دون اعتبارات طائفية، وماذا بخصوص العرب الذين طبعوا مع نظام الاسد؟

الشعب السوري في كل مرة يثبت إنه شعب عظيم فبعد ثلاثة عشر عاماً من جميع أنواع القتل والتعذيب من قبل نظام الأسد، عاد من جديد ليقول له نريد إسقاطك، وأجمل ما في المظاهرات هو أنه بعد بث الفتنة والطائفية على مدار سنين، عند ما خرجت مظاهرات السويداء سرعان ما ساندتها المحافظات الأخرى وخصوصاً الشمال السوري كثورة شعب سوري واحد دون اختلاف وتمييز، ودحظوا بذلك أكاذيب نظام الأسد حول تشتيت الأقليات ومحاربة الطوائف ببعضها في حال سقوطه، وأساساً النظام السوري الآن محرج لأنه لم يعد يستطيع الكذب بهذا الخصوص، بعد أشهر من التطبيع لم تحصل الدول العربية التي طبعت مع نظام الأسد اي شيء، فالمخدرات التي يصنعها نظام الأسد لم تتوقف وتهرب وتصل إلى السعودية عن طريق مهربين وكذلك بمسيرات طائرة إلى الأردن، بشار الأسد لا يمكن أن ينتج حل وفي مقابلاته الإعلامية يتحدث بكل ثقة إنه المنتصر وإن الدول العربية هي من عادت له، فالعرب يجب أن يسمعوا أن صاحب القرار في الموضوع السوري هو الشعب السوري، فنظام خطوة بخطوة ولجان دستورية هذا ليس مطلب السوريين، ف المطلب الأساسي هو إسقاط النظام والاقتصاص منه، فالعرب يجب أن يدركوا مؤخراً أنهم ارتكبوا خطأ فادح حينما أعادوا الأسد للجامعة العربية، ودليل خطأهم الآن واضح في المظاهرات، فعليهم أن يستدركوا أمورهم ويعودوا لسماع مطالب الشعب السوري وليس القاتل المجرم.

*في آخر مقابلة مع بشار الأسد ذكر فيها أنه لو عاد الزمن إلى الوراء لقام بمثل ما قام به، هل تتوقع تكرار سيناريو ٢٠١١، وهل الشعب أصلاً جاهز لمثل هذا السيناريو؟

الأكيد أن هذا الشخص مثل القذافي فهو لن يتخلى عن السلطة إلا مقتولاً، هو أساساً لا يلقي بالاً كثيراً لهذه التظاهرات فهو الآن بالنسبة له أنه طالما الروس والإيرانيين يدعمونه ولديه ما يكفي من الجيش ليمنع أي انقلاب عسكري عليه فهو باقي، ولكنه الآن في الرمق الأخير ولم يعد لديه أي حجة لتسكيت الشعب ولم يعد لديه أيضاً أي اقتصاد ليهدئ الشعب وحتى الحاضنة الأقرب إليه وهي الساحل السوري وبالتالي الناس حينما تجوع ستخرج عليه بشكل أو بآخر، ولا أضن أن هناك حلول فلا روسيا قادرة أن تحل الوضع ولا إيران ولا حتى هو، وهو أساساً لو لديه المال لفعل، وأسكت الشعب وخصوصاً السويداء التي يريد أن يبقيها جزء من الأقليات التي يريدها معزولة ولا يريد أن يرتفع صوتها، فلا توجد الكثير من الخيارات لديه ولا توجد حلول، حتى أنه رهن مثلاً الممتلكات العامة، وحالياً علاقاته مع العرب تسوء وخصوصاً مع الإمارات، هو الآن في الرمق الأخير والاقتصاد هو من سيأتي بهاويته، وأما الشعب فلم يعد لديه ما يخسره وكما قال الفيلسوف ماركس إذا قام الجياع بثورة فلن يخسروا سوى أصفادهم، والشعب السوري الآن إن قام بثورة فلن يخسر سوى الجوع والذل والأصفاد المكبل فيها، وما يفائل حالياً أن الشعب وصل إلى كمية وعي، فالائتلاف المعارض مرفوض من قبل الشعب، وبالتالي الشعب بحاجة إلى هيئة سورية جديدة تتجاوز الائتلاف وتتجاوز اللجنة الدستورية فنحن نحتاج إلى سوريين حقيقيين يقومون ببناء هذا البلد بعيداً عن الأخوان المسلمين وبعيداً عن النظام.

*هناك معلومات عن تعاون أردني أمريكي لتعزيز الحدود مع سوريا وكذلك مع العراق لتعزيز الحدود، هل هناك ترتيبات أو ربما ضوء أخضر لأهل الجنوب بهذا الخصوص؟

دعنا لا نبالغ في التحركات الإقليمية والدولية التي لا تصب تقريباً في إطار الثورة السورية أو التغيير السياسي فيها، بالنسبة لأمريكا سوريا أساساً ليست على أجندتها خصوصاً في الفترة الماضية، فالتصريح الوحيد الأمريكي من قبل أمريكا هو تصريح من مندوبة الولايات المتحدة بنيويورك ذكرت أن هذه الاحتجاجات تؤكد إن مطالب السوريين لم يتم الاستجابة لها أو حلها، وغير ذلك لم يكن هناك أي موقف من واشنطن, ولا أعتقد أنه سيكون هناك موقف قريب إلا إذا قادت هذه المظاهرات إلى تغيير ما، على المستوى السياسي أو الأمني في داخل سوريا.

*اتجاه الأمور إلى التقسيمات الفيدرالية هل هي مطروحة، وهل هي الحل الوحيد الآن؟

سوريا أساساً هي الآن مقسمة على أرض الواقع شأنا أم أبينا، سوريا الآن تضم أكثر من خمسة جيوش أجنبية وتضم أربع حكومات مختلفة، وبالتالي التنقل بين هذه المناطق عسر على السوريين، نحن الآن في خضم المحاولة على إسقاط النظام الفاشي، فلا ضير مستقبلاً من أن تكون هناك إدارات ذاتية تحت راية سورية موحدة تعددية لا مركزية.

*في شمال وشرق سوريا، مسد أيضاً دعمت الاحتجاجات، هل ستكون تلك الاحتجاجات بارقة أمل للوصول إلى حل سياسي؟

بالتأكيد، أن مجلس سوريا الديمقراطية منذ تأسيسه يؤكد على أهمية الحل السياسي في سوريا ويدين أعمال العنف والعسكرة لحل الأزمة، وبخصوص الاحتجاجات أكد مجلس سوريا الديمقراطية أن هذه الاحتجاجات السلمية هي الطريق الصحيح إلى تحقيق الهدف المنشود المتمثل بالتغيير الديمقراطي، والمجلس أكد أيضاً على ضرورة أن يكون السوريين أصحاب موقف واحد، ووعي وطني لدعم الاحتجاجات ومناصرتها والتضامن معها للخلاص من خطورة الحالة في سوريا التي رسخها نظام الاستبداد المركزي.

*كلمة أخيرة تحب أن تضيفها، المجال مفتوح لك..

أن هذه الثورة لكل السوريين، وأن خلاص السوريين من القتل والإجرام والفساد والظلم والقهر والفقر والتشريد لن يكون إلا بإسقاط الأسد، وهو الهدف الذي ينبغي أن يجتمع عليه جميع السوريين، والجميل في هذا الحراك إنه لم يكن من لون واحد، بل يجمع ألواناً فكرية وثقافية متنوعة من أبناء جميع المحافظات، وتشارك فيه مجموعات من جميع أطياف المجتمع السوري.