حاوره/ مجد محمد
أكّد باسل العلي، عضو حركة التجديد الديمقراطي، أن زيارة رئيس سلطة دمشق أحمد الشرع إلى باريس لا تُعد حدثاً اعتيادياً، بل تمثل لحظة سياسية مفصلية تسلط الضوء مجدداً على تعقيد المسألة السورية، ودور الإدارة الذاتية الديمقراطية وقوات سوريا الديمقراطية في مستقبل البلاد. وأشار إلى أن فرنسا تنظر بجدية إلى هذه الزيارة كبوابة نحو إعادة بناء العقد الاجتماعي السوري، واستكشاف احتمالات الحل السياسي عبر بوابة التعددية واللامركزية.
ومنذ اندلاع الثورة السورية، احتفظت فرنسا بموقف خاص في المشهد الدولي، رافضة إعادة تطبيع شامل مع دمشق دون تغييرات جوهرية في بنية السلطة وطبيعة النظام، غير أن تحولات السنة الأخيرة ولا سيما سقوط النظام السابق، وتصاعد المخاوف الأوروبية من موجات الهجرة، وعودة التهديدات الإرهابية وتراجع الدور الأميركي، قد دفعت باريس لإعادة التفكير في دورها، ولكن ليس على قاعدة القبول بعودة الوضع إلى ما قبل ٢٠١١م، بل بفرض رؤى جديدة للحل.
وبهذا الخصوص أجرت صحيفة السوري حواراً مطولاً مع السياسي السوري باسل العلي، عضو حركة التجديد الديمقراطي وفيما يلي نص الحوار:
زيارة الشرع إلى فرنسا.. بالخط العريض ماذا تعني؟
جاءت زيارة الشرع إلى فرنسا في ظل محاولات فرنسية ـ أوروبية لإحياء مسار تفاوضي جديد في سوريا، خارج الاصطفافات الإقليمية التقليدية، وعلى قاعدة إعادة بناء العقد الاجتماعي السوري من بوابة الاعتراف بالتعددية المجتمعية ومؤسسة اللامركزية. وتكتسب هذه الزيارة أهمية خاصة كونها الأولى لرئيس سوري جديد، بما تمثله من قطيعة ـ ولو جزئية ـ مع رمزية الحقبة البعثية. كما تتيح الزيارة لفرنسا فرصة اختبار واقعية النظام الجديد، واستعداد دمشق لفتح صفحة سياسية جديدة تقوم على مقاربة تشاركية تضم كافة المكونات السورية، وفي مقدمتها الكرد والإدارة الذاتية.
فرنسا كما نعلم جميعاً تعتبر داعمة للإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، ماذا بعد الزيارة بهذا الخصوص؟
فرنسا تلعب دوراً مركزياً في دعم منطقة شمال وشرق سوريا، سواء عبر المشاركة العسكرية ضمن التحالف الدولي لمحاربة داعش إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية، أو من خلال استقبال وفود الإدارة الذاتية في باريس، فضلاً عن دفاعها المستمر عن مشروع اللامركزية كإطار واقعي وضروري للحل السياسي في سوريا. الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ووفقاً للتسريبات الدبلوماسية، يعتبر أن ملف شمال وشرق سوريا يشكل مفتاح الحل السوري، ويرى في الإدارة الذاتية نموذجاً ناجحاً نسبياً فيما يتعلق بإدارة التنوع، ومحاربة التطرف، وحماية حقوق المرأة والأقليات.
وهذا ما انعكس بوضوح في مخرجات لقاء ماكرون ـ الشرع، حيث طُرحت بقوة مجموعة من المبادئ كشرط لأي مسار تطبيع جدي مع دمشق، ومنها: الاعتراف بالحقوق القومية والثقافية للكرد، ضمان تمثيل الإدارة الذاتية في العملية السياسية والدستورية، وإرساء نموذج لا مركزي دائم في سوريا.
في ضوء هذا اللقاء، هل من الممكن مستقبلاً تجاهل دور الإدارة الذاتية في المنطقة؟
الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، والممثلة عسكرياً بقوات سوريا الديمقراطية، هي اليوم من أكثر الفاعلين تأثيراً في الواقع السوري الجديد. هي ليست مجرد فصيل عسكري، بل سلطة مدنية وسياسية قائمة تفرض أمراً واقعاً يمتد على أكثر من ثلث مساحة البلاد. تجاهل هذه الحقيقة، كما تدرك باريس، يعني ترسيخ فشل أي مشروع سياسي جامع، كما أن تهميش الإدارة الذاتية قد يؤدي إلى انفجار اجتماعي وأمني جديد، خاصة في منطقة متعددة الإثنيات.
لكن، في المقابل، فإن سلطة دمشق لا تزال متحفّظة تجاه الاعتراف السياسي الرسمي بالإدارة الذاتية، رغم وجود بعض التفاهمات العسكرية غير المعلنة. ولهذا، جاء لقاء ماكرون ـ الشرع كاختبار للنوايا، وفرصة لطرح معادلة جديدة: الاعتراف التدريجي بالإدارة الذاتية، مقابل دور سياسي أكثر مرونة ضمن العملية السياسية، وتطمينات بشأن وحدة البلاد. التأكيد على أن “سوريا المستقبل يجب أن تكون دولة لكل أبنائها” كان من أبرز الركائز التي طرحتها فرنسا.
فرنسا تهتم بشكل أساسي بالأقليات في سوريا، هل هي على مبدأ واحد لجميع المكونات برأيك؟
فرنسا تولي اهتماماً خاصاً بحماية المكونات السورية من العلويين والدروز والكرد والسريان، وغيرهم. هي تؤيد إدماج هذه المكونات في أي هيكل سياسي لا مركزي يحترم خصوصياتهم. حتى العرب السنة من سكان الجزيرة، يشعرون بالتهميش السياسي منذ عقود، وترى فرنسا أن إشراكهم في صيغة لا مركزية للحكم سيكون عنصراً حاسماً للاستقرار.
كما تنظر باريس إلى الدروز والعلويين والإسماعيليين كمكونات عانت من اغتراب سياسي وثقافي، وتؤمن بضرورة إدماجهم ضمن هوية وطنية غير إقصائية. وفي هذا السياق، فإن اللامركزية السياسية ـ وربما صيغة من الفيدرالية الإدارية الموسعة ـ تُطرح كحل جامع يضمن وحدة الدولة دون العودة إلى نموذج الهيمنة المركزية، الذي قاد البلاد إلى الكارثة.
برأيك، هل سيتعامل الشرع بمرونة اتجاه المطالب الفرنسية؟
إذا ما أبدى الشرع مرونة حيال القضية الكردية واللامركزية، فقد يحظى بدعم فرنسي مشروط في المحافل الدولية، وربما بدعم جزئي في ملف إعادة الإعمار. أما إذا أصر على مركزية الدولة، وإنكار قسد كممثل سياسي، فستبقي فرنسا على قنواتها المفتوحة مع الإدارة الذاتية، وربما تعمل لاحقاً على تعويم مشروعها سياسياً، خاصة في حال انسحاب القوات الأميركية من المنطقة.
وفي المقابل، ستكون الإدارة الذاتية مطالبة بتقديم رؤية سياسية وطنية شاملة لسوريا، لا تقتصر على المناطق التي تديرها حالياً فقط، بل تشمل كافة المناطق، لإقناع باريس والعواصم الأوروبية بأنها طرف وطني جامع.
في زيارة الشرع لفرنسا، كلمة أخيرة تحب أن تضيفها، المجال مفتوح أمامك..
في هذا المشهد السوري المتأزم، أعتقد أن زيارة الشرع إلى فرنسا تمثل أكثر من مجرد زيارة رسمية، إنها مواجهة دبلوماسية بين مشروعين لسوريا: مشروع مركزي قائم على استنزاف البلاد لعقود أخرى، ومشروع آخر تعددي لا مركزي يسعى لولادة سوريا جديدة، قوية بجميع مكوناتها، بما في ذلك شمال وشرق سوريا.
موقف الرئيس ماكرون الحاسم في دعم قضايا المنطقة بكل مكوناتها سيضع الكرة في ملعب دمشق، فإما أن تنفتح على عقد اجتماعي جديد، أو تتمسك بماضٍ لم تعد استعادته ممكنة. هذه الزيارة تشكل منعطفاً حاسماً في المشهد السوري، وقد تكون بداية انتقال تدريجي نحو نظام تعددي لا مركزي، إذا ما أُحسن استثمار اللحظة السياسية الراهنة. قسد اليوم تملك فرصة نادرة لترسيخ حضورها السياسي والدستوري، بينما تملك فرنسا القدرة على فرض معادلة سياسية جديدة تحفظ حقوق المكونات السورية، وتؤسس لسلام عادل ومستدام.