لكل السوريين

سوريا.. أحداث، ومفاوضات، وسيناريوهات محتملة

حاوره/ مجد محمد

نوه جبريل ملكي على أنه عانت المنطقة الشرقية في عهد النظام البائد من الإقصاء والتهميش والقمع لعقود من الزمن، حيث تم اعتبارها منطقة نامية وتم سلب خيراتها الزراعية والنفطية، من دون تقديم أي اهتمام لأبناء المنطقة أو حتى تطوير مدنها ومرافقها.

فالمنطقة الشرقية بتنوعها الكبير عانت، فأبنائها من القوميات الأخرى كالسريان والكورد وغيرهم من القوميات حرموا من التحدث بلغتهم، ومن إحياء أعيادهم القومية، بل وأكثر من ذلك فقد تم تجريد العديد منهم من جنسيتهم.

نما نفوذ أبناء المنطقة الشرقية أثناء اندلاع النزاع عام ٢٠١١، حيث تمكنوا من تأسيس إدارة ذاتية في شمال شرق سوريا، وبنوا مؤسسات تربوية واجتماعية وعسكرية، وتحت مظلة التحالف الدولي قاتلوا أعتى منظمة إرهابية، ومع سقوط النظام البائد واستلام الحكم من قبل الحكومة السورية الانتقالية، أبدى أبناء المنطقة تحت مظلة الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا انفتاحاً ومرونة للتعاون، معتبرين أن هذا التغيير فرصة تاريخية لبناء سوريا جديدة وبدستور عصري جديد يضمن حقوق جميع المكونات.

وبهذا الخصوص عقدت صحيفتنا السوري حواراً مطولاً مع الأستاذ جبريل ملكي، العضو في تجمع شباب سوريا الاحرار، ودار الحوار التالي:

*بعد سقوط النظام، ماذا حدث في إطار موضوع الحوار؟

في البداية استبعدت هذه الفصائل التي حكمت دمشق المكونات الأساسية عن حضور المؤتمر وعن المشاركة في الإعلان الدستوري، وتم انتخاب أحمد الشرع كرئيس للدولة للمرحلة انتقالية من قبل هذه الفصائل، وهو الأمر الذي أثار حفيظة كافة المكونات بسبب ترسيخ اللون الواحد لما له من تداعيات كارثية على البلاد

*بعدها حدثت خطوات إيجابية وهي الاتفاق الذي حدث بين الرئيس الشرع والجنرال مظلوم عبدي، أليست تلك بادرة خير وانفتاح؟

الاتفاق ما بين الجنرال مظلوم عبدي والرئيس أحمد الشرع في العاشر من آذار وبوساطة أمريكية وفرنسية، جاء لوضع اللبنة الأولى لسوريا ديمقراطية تعددية لا مركزية، ووضع حد لأي جهة داخلية أو خارجية تحاول زرع الخلافات والفتن بين الطرفين،  تزامن هذا الاتفاق وليس مصادفة مع مضي أسبوعين من نداء السلام لزعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان في إعلان تاريخي مفاده حل الحزب وإلقاء السلاح في خطوة فاجأ بها العالم، لأنه أدرى بحيثيات القضية الكردية وتأثيرها على المنطقة، هذه الخطوة تردد صداها في الأوساط الحزبية والكردية والإقليمية بإشراف دولي غير معلن، وهو الأمر الذي حشر تركيا في زاوية ضيقة، لما لهذه الخطوة الجريئة من تداعيات إيجابية على عموم سوريا والإقليم والعالم أجمع، ولأنها تسد الذرائع ودوافع العدوان وترسم خارطة السلام، وهذه جميعه يصب في مصلحة المنطقة وسوريا

*الجميع يراهن على قدرة الإدارة الذاتية في لعب السياسة بذكاء، خصوصاً في التفاوض مع الحكومة السورية الانتقالية، واضطراب السياسة الأمريكية بالنسبة لسوريا، ما رأيك؟

دعني اقولها لك بشكل تفصيلي، ما يثير المخاوف، وخصوصاً في هذه الآونة الأخيرة، هي السياسية الأمريكية المضطربة في المنطقة نتيجة عدم التوافق التام في دوائر صنع القرار الأمريكي، فعلى سبيل الحصر المواقف من الشرع الذي كان مطلوباً أمريكياً مقابل مبالغ مالية كبيرة، ومن بعد ذلك لقاء الشرع برئيس أمريكا في السعودية ومحاولة تعويمه، بل أكثر من ذلك حيث تم رفع العقوبات وبسرعة غير متوقعة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى عدم تقيد الشرع بشروط عدم تقليد الفصائل الإسلامية المراكز والمناصب في الجيش والدولة، ليعطي بعد ذلك موافقة بضمهم في لواء، فكل ما سبق يوضح لنا التناقض في المواقف وخلط الأوراق، وما يزيد من شرخ عدم الثقة بمثل هذه القرارات هي كاريزمية ترامب، وتناغمه مع أردوغان يبعث برسائل غير مطمئنة، لكن الإدارة الذاتية مدركة تماماً لما يحدث، وتجيد اللعبة بذكاء، وما يساعدها هو قرارها المستقل وخصوصيتها في المواقف إزاء ما يجري، لأنها على دراية كافية بحقيقة السياسة التركية المتذبذبة تاريخياً

*تركيا تحاول وتتهم قوات سوريا الديمقراطية بالارتباط التام بحزب العمال الكردستاني، وأنه عليها القاء سلاحها بناء على طلبات الحزب الاخيرة، ما هدفها من ذلك؟

أول هذه الأهداف هو إجهاض مشروع الإدارة الذاتية، سواء أكانت لا مركزية أو فدرالية، ويتجلى هذا الأمر في التصريحات اليومية لأردوغان ورئيس وزرائه هاكان فيدان بتطبيق هذه الاتفاق ودمج قسد بالجيش، أما الهدف الثاني فهو الاستثمار الاقتصادي، مستغلة نفوذها وعلاقتها ودخول شركاتها لإعادة البناء والإعمار، وبالتالي، الغاية هي الهيمنة الاقتصادية والسياسية على سوريا الجديدة، والهدف الثالث فهو تمكين السلطة الجديدة من السيطرة على منابع الغاز والنفط في شمال شرق سوريا، الغنية بمواردها الطبيعية والخاضعة لسيطرة الإدارة الذاتية، والغاية منها حرمان الإدارة وتخفيف مصادر الاقتصاد لديها

*سوريا الآن في مرحلة المخاض، الإدارة الذاتية جزء من مستقبل سوريا، ماذا بخصوص الاتفاق، وما التحديات التي تواجهه؟

الآن تمضي الإدارة الذاتية في خطها الثالث حاملة مشروعها في عدم الإفراط بحقوق جميع مكونات المنطقة الذين قدموا التضحيات الجسام في سبيل نيل تلك الحقوق، وهي التي تفرض شروطها ولا تستجدي الاستسلام بل تنتزع حقوقها، والحكومة السورية المؤقتة إما أن تتوافق مع مطالب كافة المكونات وتستجيب لخصوصية المنطقة ، أو أن تختلف، وتلك هي الطامة الكبرى، وقد برزت تحديات في وجه هذا الاتفاق، ويبقى الحوار سيد الموقف لتذليل العقوبات والوصول إلى الإنجازات، ومن ابرز التحديات هو التحدي الأول بشأن صياغة الدستور، وكذلك عدم فسح المجال للفكر الظلامي للفصائل الراديكالية في اتخاذ القرارات التاريخية، وأيضاً التركيز على الأولويات وعدم التشتت والإغراق في الخلافات الجانبية، وكذلك ضمان حقوق كل المكونات في الدستور الجديد، وأما التحدي الأكبر هو الاختلاف الأيديولوجي.

*على ضوء ما تحدثنا به، ما هي ابرز السيناريوهات المحتملة؟

السيناريو الأول التحلي بروح المسؤولية، وتغليب الموقف الوطني، وهو الأمر الذي يطمح إليه كل فرد في سوريا لكي تنعم البلاد بالأمن والأمان، هو أنه لابد لرئيس البلاد أن يبتعد عن الضغوطات التركية، وأن يكون وطنياً وبامتياز، وأن يضع حقوق الشعب السوري بالحسبان، وهذا ما أراده في هذا السيناريو وسوف يتحقق مهما طالت مدة المفاوضات، أما السيناريو الثاني هو أنه الوضع القائم في سوريا مرهون بالإرادات الدولية، أمريكا والكتلة الأوربية وروسيا، في الضغط باتجاه سوريا لا مركزية وتعددية، وهذا ما أتوقعه بغية الوصول إلى التفاهمات والتسويات ضمن الحدود الإقليمية لحل العقدة، والسيناريو الثالث إذا لم تستجب الحكومة السورية المؤقتة لحقوق الشعب السوري في الحياة، وإذا لم تراعي الخصوصية في شمال وشرق سوريا والتي هي العقدة في هذا الاتفاق المزمع عقده، فسينفجر الوضع من جديد وتعود سوريا مقسمة ومقطعة الأوصال، وربما تعود إلى المربع الأول، وهو الأمر الذي لا يقبل به المجتمع الدولي ولا الشعب السوري.

*ما هي رؤيتك لمستقبل سوريا في السنوات المقبلة؟

مستقبل سوريا في السنوات المقبلة يضل مسألة معقدة جداً، ويعتمد على عدة عوامل سياسية، أمنية، اقتصادية، واجتماعية، إذا كان هناك تقدم حقيقي في المفاوضات السياسية، وإذا استطاعت سوريا أن تضع أسساً لاستقرار سياسي طويل الأمد، فربما يكون هناك أفق للتعافي على المدى الطويل، إعادة بناء البنية التحتية، وإنعاش الاقتصاد، وتوحيد القوى السياسية قد تساهم في تحقيق نوع من السلام والتعافي، أما إذا استمرت الصراعات الداخلية والتدخلات الأجنبية في تعقيد الوضع، فقد تظل سوريا في حلقة مفرغة من عدم الاستقرار، وغياب الحلول السياسية الفعالة قد يؤدي إلى مزيد من الانقسامات والصراعات المحلية، فمن الصعب تحديد إذا كان هناك أفق حقيقي للسلام والتعافي في سوريا، لكن هناك بالتأكيد آمال وإمكانيات إذا توافرت الظروف المناسبة، الإصلاحات السياسية، الاستقرار الأمني، التعايش بين المكونات المختلفة في سوريا، والدعم الدولي سيكونون جميعاً عوامل حاسمة في تحديد مستقبل البلاد.

- Advertisement -

- Advertisement -