لكل السوريين

أحداث إدلب.. رسائل سياسية ومحاولات إعادة صياغة التفاهمات

شكل سحب النظام التركي لقواته العسكرية المتمركزة قرب مدينة “مورك” مفاجأة للمراقبين، وإرباكاً لدى السكان المحليين الذين نزحوا من منازلهم العام الماضي، خلال دخول القوات السورية والروسية إلى المنطقة، حيث كان يراهن هؤلاء السكان على أن يتوصل الجانب التركي إلى تفاهم مع روسيا من أجل تسهيل عودة النازحين إلى ديارهم، وضمانة سلامتهم، وينظرون إلى بقاء نقاط المراقبة التركية باعتبارها مؤشراً على احتمالية هذه العودة.

كما أن الانسحاب التركي من المنطقة، والأنباء التي رشحت من الجانب التركي حول احتمالية سحب نقاط مراقبة أخرى من الأراضي الخاضعة لسيطرة النظام السوري، وربما سحب جميع نقاطه منها، وفق جدول زمني يمتد حتى مطلع الشهر القادم، أعاد فتح الأبواب أمام التكهنات بمستقبل التواجد العسكري التركي شمال غرب سوريا، ومصير محافظة إدلب، وعزز هذه التكهنات غموض موقف النظام التركي حول الانسحاب، وغياب أي رواية رسمية، أو تعليق من قبله.

دوافع النظام التركي

القوات التركية التي انسحبت من منطقة “مورك”، وكانت أكبر نقطة عسكرية تركية في ريف حماة الشمالي، وعلى مقربة من طريق دمشق- حلب الدولي M5، تمركزت في منطقة جبلية، تعتبر من أهم المواقع الاستراتيجية في محافظة إدلب، وتطل بعض قممها على الطريق الدولي الواصل بين شرق وشمال سوريا مع الساحل السوري M4، بما يشبه عملية إعادة الانتشار.

ومع أن هذا الانسحاب، واحتمال سحب نقاط المراقبة التركية الأخرى من المواقع التي أخرجت منها الفصائل المسلحة التابعة لها، وأصبحت محاصرة من قبل القوات السورية يشير، على الصعيد العسكري، إلى أن النظام التركي يعيد تجميع قواته في مناطق يسهل من خلالها الدفاع عن هذه النقاط، وتواصلها مع قواعد الإمداد وقيادة العمليات في جيشه، استعداداً لأي تطور عسكري محتمل.

كما يشير، على الصعيد السياسي، إلى محاولات النظام التركي فتح جبهات تفاوض جديدة مع روسيا في مناطق إقليمية مختلفة، بهدف الحصول على مكاسب استراتيجية فيها، مقابل تقديم تنازلات في منطقة إدلب.

تضارب المصالح.. أم توافقها

بعد أن تمكن أردوغان وبوتين من تجاوز أزمة إسقاط الطائرة الروسية في تشرين الثاني عام 2015، توصلت موسكو وأنقرة إلى تفاهمات مشتركة فيما بينهما تمنع تدهور الأمور إلى نقطة اللاعودة في سوريا، وكرست هذه التفاهمات من خلال مساري أستانة وسوتشي.

ويرى مراقبون أن قصف روسيا لحليف مهم للنظام التركي في إدلب، وتشابك الملفات الإقليمية بينهما، قد يعيد خلط الأوراق، ويقلل من هوامش التفاهم بين أنقرة وموسكو، ويزيد الوضع في منطقة إدلب تعقيداً.

لكن الاحتمال الأرجح يكمن في توافق الجانبين على خطوات تضمن تثبيت الهدنة في منطقة إدلب فترة إضافية أخرى.

والتوصل إلى تفاهمات مشتركة تتضمن موافقة تركيا على إقامة نقاط مراقبة روسية في المنطقة، مقابل الاتفاق على آلية للإشراف على فتح الطرقات الدولية، والإقرار الروسي بالانتشار التركي في إدلب.

ومن المعروف أنه خلال المفاوضات بين الجانبين عرضت موسكو على أنقرة نقل نقاط المراقبة التركية، وفتح طريق دمشق- حلب الدولي والإشراف المشترك عليه، وطالبت تركيا بمراجعة انتشار قواتها في شمال غرب سوريا، وتخفيض عدد هذه القوات، وحجم الأسلحة الثقيلة التي أدخلتها، بالإضافة إلى إخلاء المنطقة الواقعة جنوب طريق M4 مقابل إطلاق يدها في سرت الليبية.

ولكن النظام التركي المراوغ استمر، خلال هذه المفاوضات، بتعزيز وجوده في المنطقة، وإرسال قوات عسكرية جديدة إليها، فهو يدرك أنه لن يتمكن من تحقيق مكاسب كبيرة على طاولة المفاوضات، ما لم يكن له حضور عسكري فاعل على الأرض.