لكل السوريين

إضاءة في تاريخ المرأة السورية

ضبية الناصر

أكثر ما نعشقه هو الحكايات التي نسمعها من الجدات والأساطير التي نقرأها، وغالبا ما تكون المرأة هي بطلة لتلك الحكاية أو الأسطورة، واليوم أود أن أسرد عليكم بطولات لنساء سوريات استطعن أن يحفرن بطولاتهن بين سطور التاريخ بأحرف من الفخر والاعتزاز؟؛

تلك النساء هن نساء حقيقيات لهن الفضل لما وصلت إليه سوريا من رقي حضاري،

فبالرغم من العادات والتقاليد التي تهيمن على المجتمع برمته وعلى المرأة بشكل خاص، فإن للمرأة السورية حضور مميز في مختلف جوانب الحياة، ولعلي أبدأ من بداية القرن العشرين وأشير إلى أن المرأة السورية انتهجت أشكالا متعددة للحراك بهدف التعبير عن آرائها وتجعل صوتها يصل إلى مثيلاتها في المجتمع وذلك من خلال كتابة المقالات وتأسيس الصحف والمجلات وافتتاح الصالونات الأدبية لمناقشة قضاياها وحقوقها، ولعل أول صالون أدبي تأسس في سورية كان على يد السيدة مريانا مراش ابنة حلب حيث كانت تطالب المرأة بضرورة التعلم والتعبير عن رأيها ونفسها

كما علينا ذكر الشاعرة والصحفية والخطيبة ماري العجمي في دمشق والتي أصدرت أول صحيفة تصدرها امرأة اسمتها: “العروس”، ولها أهداف تقوم على تحرير المرأة من قيودها والرجل من جموده، حيث تبنت ماري العجمي قضايا المرأة والإصلاح الاجتماعي، وهاجمت بشدة ممارسات العثمانيين تجاه المتنورين في البلاد، واستمرت بنشاطها في ضرورة تحرير المرأة والتأكيد على مكارم الأخلاق، وحرصت على نشر أفكارها في الصحف داخل سوريا وخارجها؛

علينا القول أن حب المرأة السورية للوطن وارتباطها الأصيل بالأرض دفعها لتكون جزء هاما من الحراك الشعبي السلمي والعسكري نحو التحرر من أية  قوى استعمارية تريد الهيمنة على أرضها والنيل من حرية أبناءها الذين هم فلذة كبدها، فهذا ما لاحظناه عندما نهضت المرأة السورية بعد إعلان الاستقلال عام 1920 للعمل والحشد للتصدي لخطر استعمار جديد يهدد بلدها سوريا وهو الاستعمار الفرنسي، حيث انتفض الشارع السوري مناهضا للاحتلال ودعمت المظاهرات في الأحياء السورية، وكانت المرأة جزء من هذه المظاهرات ولابد من ذكر بعض الأمثلة عن المرأة السورية الثائرة والمناضلة، وهنا نذكر <نازك العابد> التي ارتدت زي الرجل وشاركت في معركة ميسلون، وكذلك السيدة <رشيدة الزيبق> التي شاركت في الكثير من المعارك ضد المستعمر الفرنسي وتعرضت للاعتقال مرات عديدة، وأيضا لابد من ذكر أن نازك العابد لم تتوقف عن مقارعة المستعمر الفرنسي، فقد كان لها أثرا بالغ في شحن همم الشارع السوري للتنديد بالاحتلال الذي عمد إلى نفيها خارج البلاد، وهنا استثمرت نازك العابد ذلك لنقل صوتها من داخل سوريا لخارجها، حيث كانت تطالب المجتمع الدولي بدعم حق بلادها في الحرية والاستقلال حتى لقبت بجان دارك الشرق؛

 

لم تكتفي المرأة السورية بالمظاهرات السلمية والاحتجاجات المنددة، بل أنتقلت المرأة أيضا للكفاح المسلح وحملت السلاح وحاربت مع الرجل جنبا إلى جنب، والأمثلة عديدة، ومنها نذكر <رشيدة الزيبق> وكذلك <سارة مؤيد العظم> و<زهيرة شكير>، كما استشهت حوالي 95 شهيدة في ثورة جبل العرب التي قادها السلطان باشا الأطرش، ولا بد من ذكر السيدة “رندة” الملقبة “بالفارس الملثم” التي شاركت بثورة الساحل، والتي رفضت ان تزف لخطيبها قبل تحقيق الاستقلال، وتابعت خوض المعارك ضد الفرنسيين حتى استشهدت، وكذلك في ثورة جبل الزاوية برزت هناك نساء شاركن في شحذ همم الثوار والمشاركة في قتال الفرنسيين، ولا سيما شقيقة <إبراهيم هنانو> السيدة <زكية هنانو> وكذلك ابنته <نباهة هنانو>.

لم تكتفي المرأة السورية بذلك، بل عمدت إلى إيصال قضايا وطنها المحتل إلى أكبر عدد من دول العالم ، حيث نظمت أول مؤتمر نسائي عقد في دمشق عام 1930، وهذا يدل على تطور الفكر والوعي لدى المرأة السورية، الأمر الذي جعلها تتفرد في تنظيم مؤتمر خاص بالنساء على مستوى الشرق الأوسط؛ كما عملت على تكثيف نشاطها السياسي والاجتماعي من خلال الجمعيات النسائية الأهليةن فعملت على محو الأمية وروجت للصناعات الوطنية وأرسلت المعونات للجنود في جبهات القتال، وكذلك عملت على تمجيد الثورة وتخليد أبطالها من خلال الأدب، فأضاءت بذلك على جوانب عدة للثورة السورية حتى تحقق الاستقلال ودحر الفرنسسين عام 1946، وهنا منحت المرأة السورية حق الانتخاب دون الترشح ضمن إصلاحات عام 1949، شرط أن تكون متزوجة ومتعلمة، والذي عدل عام 1950 ليشمل كل النساء، ثم حصلت على حق الترشح في عام 1953، وكانت “ثريا الحافظ” أول سيدة ترشح نفسها، غير أنه لم يكن للمرأة دور فعال في الحياة النيابية رغم مشاركتها في النضال الوطني، وعندما انتقلت البلاد إلى عهد الوحدة عام 1958 وتم تشكيل مجلس أمة موحد، فقد شاركت فيه سيدتان من سورية هما “جيهان موصلي ووداد أزهري”، وبعد الوحدة تقلصت مساحة العمل والمشاركة الثقافية والسياسية بسبب الملاحقات الأمنية، ثم أستلم الحكم حزب البعث الذي تعامل مع كل أشكال التجمعات والحركات النسائية بطرق عدة شملت الحظر أو الأحتواء تحت ظل المراكز الثقافية أو النسائية التي لا تتمتع بأي استقلالية، بل تعتبر واحدة من مؤسسات الدولة، فتم حصر وجدوهن فيما يسمى: “الأتحاد النسائي”، الذي كان منظمة حكومية شكلا ووظيفته ومهمته الأولى التصفيق والتهليل لإنجازات السلطة والأطلاع على أي محاولة لنشاط لا يصب في صالح حزب البعث أو يهدد وجوده، ولم يقدم أي مساعدة حقيقية على أرض الواقع، حتى أنه تم حله عام 2017 لتحل محله وزراة الشؤون الأجتماعية والعمل، وكل ذلك أخر الحركة النسائية، فمع إنطلاق الثورة السورية في عام 2011 كان للمرأة إنخراط واضح فيها، حيث شاركت في تنظيم المظاهرات، إضافة لدورها في العمل الطبي والنشاط الإغاثي، وهذه المشاركة جاءت ضد الممارسات والقوانين التي أهدرت كرمتها لعقود عدة، غير أن وحشية النظام ومضيه بثبات في دفع الثورة نحو التسلح ودخول الجماعات الجهادية، جعل من المكاسب التي حققتها المرأة السورية في موضع التهديد،

لكن لا بد لنا من ذكر أن الثورة منحت باب حرية التعبير والتي اغتنمته المرأة السورية،  فكانت حاضرة في كل أشكال الإعلام البديل، حيث تطرقت إلى قضايا المرأة وحقوقها في الكثير من المقالات والتقارير، ولعل أبرز هذه المنصات الإعلامية على سبيل المثال مجلة ” ياسمين سوريا” وكذلك مجلة “مزايا”، والجدير بالذكر أن نضال المرأة السورية وإصرارها للدفاع عن حقوق الإنسان بشكل عام ونضالها لتكريس حقوق المرأة بشكل خاص جعلها تكرم في العديد من المحافل الدولية الأوروبية والأمريكية والأسماء عديدة، ونذكر هنا على سبيل المثال “سعاد نوفل” وهي مدرسة من مدينة الرقة أصولها من أدلب، والتي حصلت على جائزة “هومو هوميني” في “التشيك”، وذلك لمقاومتها الاستبداد بطرق سلمية لتعزيز حقوق الإنسان؛

ولا بد من الإشارة أيضا إلى أن تنظيم المرأة لنفسها على شكل منظمات إنسانية وجمعيات توزعت على مختلف جغرافية سورية بهدف التخفيف من معاناة مثيلاتها من النساء السوريات اللواتي يعانين تبعات محاولات سحق هذه الثورة ودفنها، ولكن ما يميز الحراك السوري أن المنطقة شهدت عام 2014 تأسيس الإدارة الذاتية التي ترافق تأسيسها مع تزايد نشاط المرأة التي سجلت حضورا لافتا وفاعلا في المعارك ضد تنظيم داعش من خلال وحدات حماية المرأة، والتي تعد أيضا ركيزة في قوات سوريا الديمقراطية؛ كما خاضت المرأة في الإدارة الذاتية في ميادين الحكم والسياسة والإعلام والمجتمع المدني وسوق العمل، إضافة للنشاطات الثقافية والأدبية وغيرها، وإن أكثر ما يميز الإدارة الذاتية أنها أصبحت تمثل عنوان تصميم و إرادة المرأة السورية التي استطاعت أن تقوم في شمال و شرق سورية بثورة غيرت واقع المرأة بشكل جذري، وأثمر في تحولها من مرحلة الطموحات إلى مرحة الإنجازات، كما جاء في العقد الاجتماعي للإدارة الذاتية الذي يعد بمثابة دستور يشير ويؤكد بشكل صريح على أن تكون نسبة مشاركة المرأة يجب أن لا تقل عن 50%. هذا إضافة إلى اعتماد نظام الرئاسة المشتركة في مؤسسات الإدارة؛ كل ذلك أسهم في تبوأ المرأة في مناطقنا مكانة فريدة ومميزة على خلالف المناطق السورية الأخرى، وذلك بفضل دعم الإرادة السياسية ممثلة بمجلس سوريا الديمقراطية الداعم بحقوق المرأة.

وهنا لا بد من أن نؤكد أن كل ما سعت المرأة السورية للوصل إليه عبر عقود من الزمن، تمكنت المرأة في الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا من ترجمته على أرض الواقع وتثبته في عقدها الاجتماعي، بحيث عملت على تحقيق المساواة الحقيقية بين الجنسين، وفي هذا المقام علينا أن ننوه أن كل تلك الإنجازات السابقة رافقها الكثير من التضحيات الكبيرة من جانب المرأة فهناك من تخلت عن حياتها الحاصة ووهبتها لقضايا المرأة و الأمثلة أكثر من أن تحصى أو تعد؛

كما هناك من قدمت دمها ليكون قربانا في سبيل حقوق المرأة و إثبات إصرارها على النجاح، وعلينا أن نذكر المرأة المقاتلة الباسلة ونذكر على سبيل المثال: <بارين كوباني>، والمرأة السياسية <كهفرين خلف> إضافة للمرأة في العمل الإداري <كسعدة وهند>، كل هؤلاء وغيرهن كنّ وقودا مثمرا لما نحن عليه اليوم، فأصبحت تجربة المرأة في شمال و شرق سورية طموحا لكل النساء في العالم ؛

ويبقى على المرأة العمل للحفاظ على هذه المكاسب بالعمل الدؤوب والنجاح في كل المهام التي تتقلدها والعمل على نقل تجربتها لكل النساء في عموم سوريا.

في الختام كانت المرأة السورية ولا تزال تجسد بطولات يمكن أن تمثل أحداثا شبيهة بالأساطير لكن الأقلام الحرة تروي اليوم إنجازات المرأة السورية في تحقيق الحرية.