لكل السوريين

نظام الأسد.. وآلة الزمن المعطلة!

الانفصال عن الواقع هي أبرز ما تتسم به الأنظمة الاستبدادية، حيث يشعر المستبد الدكتاتور أنَّ العالم كله يدور في فلكه ، وبمقدوره فعل أيّ شيء في أيّ وقت، ولا يسمح بأن يقال له لا أو  غير ممكن، أوامره وكأنها إلاهية، ويحسب نفسه سرمدي، ولا يعترف بالنهاية، وحتى بعد وقوع النهاية، وهذا ما حصل مع هتلر وموسيليني وقبلهم الكثيرون من الطغاة.

مع مطلع الحراك الثوري الشعبي في سوريا مطلع ٢٠١١ دأبت آلة الإعلام لدى النظام السوري على تكرار نفس الرواية، وفي كل مرة يتسع فيها الحراك لمنطقة أخرى تكرر نفس الخطاب ، في عرض أصبح كوميديا ومدعاة لسخرية الكثيرين، في صورة تمثل الانفصال التام عن الواقع، حقيقة كان هذا الإعلام يمثل صورة أصيلة للنظام ويعكس حقيقة تفكيره وما يجول في رؤوس قادته، لم يتقبل هذا النظام في يوم من الأيام أن يقال له أنت على خطأ، أو أنت مرفوض أو..   إلخ ،وخرج علينا بمصطلحات جديدة حين أفلس من الإنكار “مؤامرة كونية”  ومصطلح “خلصت” واستمرت هذه الآلة الإعلامية طيلة سنوات الأزمة السورية على نفس النهج والخطاب حتى في أسوأ أيام النظام لم تغير من خطابها شيء، بل على العكس زاد استخفافها لعقول المتابعين.

وبعد التدخلات الخارجية التي صب معظمها في صالح النظام، وبعد انهيار صفوف المعارضة ورضوخها للأجندات للخارجية وتحول معظم مقاتليها لمرتزقة عابرين للحدود تغير الوضع كثيراً على الأرض وأعلن النظام عبر إعلامه أنه انتصر على المؤامرة الكونية دون أن يدرك أو يحلل حقيقة ما جرى، ولازال يعتبر أنه انتصر بسبب قوته، ولم يقرأ الواقع ويدرك الأسباب الحقيقية التي حافظت على بقاءه.

كان للحظ و تضارب المصالح الدولية والإقليمية في سوريا دوراً رئيسياً ساعد نظام الأسد سواءً بدعم مباشر من حلفائه، أو بدعم غير مباشر ممن يعتبرهم أعداءه.

ونظام الأسد يدرك في قرارة نفسه أنه مفلس وعاجز ومرفوض شعبياً، ولكن استمراره إلى هذا اليوم واستمرار تقديم الدعم له زاد من تغطرسه واستبداده ، وكان هذا جلياً بعد زيارة الوزير الصيني له والذي وصف العلاقة بين الطرفين بعلاقة “الصديق الوفي”، نعم بالفعل الأسد كان وفيا لكل من ساعده على البقاء في الحكم، وبلغت درجة وفاءه أن سيطرت إيران وروسيا على معظم مفاصل الدولة السورية وأصبح المواطن السوري عبارة عن ضيف في بلده وعلى أرضه.

بعد خطاب القسم وزيارة الوزير الصيني ظن النظام أنه أصلح آلة الزمن ودار بها وعاد إلى ما قبل عشر سنوات، لنجده يعود لفتح ملفات كانت مغلقة ومن حيث انطلقت الثورة في درعا عاد النظام إلى هناك، ويريد الإطاحة بكل الاتفاقيات الروسية المبرمة في درعا، و يقول أمام الجميع ها قد عدت يا درعا ولن يعلو صوت فوق صوتي، ليجعل من درعا بداية لعودة كل الأمور إلى نصابها وفق حساباته، ولكن الأمر الذي لم يحسب حسابه أن آلة الزمن أيضاً تم إصلاحها في درعا، وعادت الجموع إلى سابق عهدها قبل عشر سنوات، وصدحت الحناجر في وجهه، لأن الثورة بالأصل فكرة وكما قيل الفكرة لا تموت، و مع تصعيد نظام الأسد لعملياته في درعا بدأ يرسل رسائل الوعيد للمناطق الأخرى، و كعادته بدأ يكيل الاتهامات للجميع وأسلوب التخوين حاضر دائما، وهذا كان رده على دعوات الإدارة الذاتية للحوار، لو يملك هذا النظام أدنى مقومات الوطنية لسارع لشكر الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية التي طهرت المنطقة من رجس داعش وحافظت عليها، ودافعت عنها في وجه قوات الاحتلال التركية في الوقت الذي نسقت به تركيا لاحتلال الأراضي السورية مع رعاة وداعمي النظام روسيا وإيران، وهنا يظهر الوجه الفاشي لهذا النظام المستبد والذي يعتبر هذه الأرض مزرعة له، ويعتبر هذا الشعب عبيداً رهن أوامره وتصرفه، حتى أحلامهم وأمانيهم يجيب أن تمر من خلاله.

بالنتيجة قد يخدع النظام نفسه ويقنعها أنَّ مياهه عادت لمجاريها و أنَّ الزمن عاد للوراء كما كان في سابق عهده ولكن الحقيقة الجلية أنَّ رياح الحرية والتغيير نحو الديمقراطية لا زالت تعصف بشدة وستقتلع هذه الذهنية الفاشية ذات يوم مهما طال الزمن ومهما دارت آلته .