لكل السوريين

سعي الإدارة الذاتية إلى الإعتراف بها

في الآونة الأخيرة أطلقت بعض الأطراف المؤيدة للإدارة الذاتية الديموقراطية حملة على مواقع التواصل الاجتماعي تطالب بالإعتراف بالإدارة الذاتية الديموقراطية، وكذلك صدرت تصريحات ومطالبات بهذا الخصوص من بعض ممثلي الإدارة أو مجلس سوريا الديموقراطية. فما هو المقصود بهذا الإعتراف، وخاصة أن بعض الأطراف التي تعترض على وجود الإدارة أو حتى تستفيد من الوضع القائم في سوريا شنت حملات مضادة ووصفت بأن هذا السعي يهدف إلى الإنفصال وأنها إملاءات خارجية تخدم مصالحها. بينما الحقيقة ليست كل ذلك.

بعد أن خرج الشعب السوري مطالباً بالحرية والديموقراطية لم يكن هذا الحراك بعيداً عن إهتمام قوى الهيمنة العالمية، بل ظهر مؤخراً أن بعض الأطراف ساهمت في تنشيط الحراك وسعت إلى التحكم فيه منذ 2005 وتوجيهه إلى المسار الذي يخدم مصالحها. كان هذا الاهتمام سياسياً في البداية بتشجيع الحراك وتقديم المساعدات تحت اسم “مساعدات إنسانية” وعندما وصلت الأمور إلى إشتباكات مسلحة لم تبخل تلك الأطراف بتقديم المال والسلاح بسبل ووسائل مختلفة، منها تقدبم الخدمات والدعم عن طريق منظمات مجتمع مدني منتقاة، بل تم تأسيس أغلبها لتلك الغاية، وتحصل على رخصة العمل في سوريا بموافقة المعارضة والدول المجاورة التي تدخلت في الشأن السوري مثل تركيا أو الأردن أو لبنان.

هذه المنظمات الإغاثية وما شابهها عملت ضمن المناطق التي تشهد الإشتباكات والتي تسمح بها الجهات الممولة أوالتي منحت الرخصة لنشاطها، وكانت هذه الإغاثة تصل إلى مناطق شمال وشرق سوريا أيضاً عندما كانت الفصائل الجهادية تتوسع وتتمدد فيها، ووصلت الأمور إلى درجة عقد مؤتمر دولي بهدف الإعتراف بالمعارضة السورية في الخارج ممثلاً رسمياً للدولة السورية بدلاً من النظام ومنح المقعد السوري قي الأمم المتحدة والجامعة العربية، للمعارضة وجعلها الجهة المخاطبة دولياً في كل مايتعلق بسوريا.

ما لم يكن في الحسبان أن تظهر معارضة حقيقية من بين صفوف الشعب السوري لا تقف إلى جانب النظام ولا تخضع للإملاءات الخارجية، وتعمل بإخلاص وتعتمد على نفسها، وعندما ظهرت حقيقة الفصائل الجهادية ومآربها استطاعت هذه المعارضة التصدي لها وكسر شوكتها، وعندما تنامى هذا الإرهاب وبدأ يقض مضاجع أوروبا والغرب لم يجدوا سوى القوات التابعة لتلك المعارضة للتنسيق معها في موضوع محاربة الإرهاب دون التعامل سياسياً مع ممثلي هذه القوات التي ألحقت الهزيمة بقوى الإرهاب ممثلة في داعش وجبهة النصرة ومشتقاتها مثل دروع الإخوان وألوية التوحيد وألوية الغرباء وعشرات الألوية الأخرى. إلى أن استطاعت هذه المعارضة التي ضمت مكونات المنطقة كلها من كرد وعرب وسريان وآشور وتركمان تخليص مناطقها من الإرهاب وتؤسس إدارة ذاتية ديموقراطية تضم ما يقارب ستة ملايين من البشر.

عندما بدأت المساعي الدولية نحو إيجاد حل سياسي للقضية السورية لدى الأمم المتحدة منذ عام 2012 ولدى القوى الدولية المهتمة بالشأن السوري مثل لقاءات جنيف وآستانا وسوتشي وغيرها وحتى في المؤتمرات الدولية الهادفة إلى توحيد صفوف المعارضة، جرى إبعاد ممثلي المعارضة الحقيقية في شمال وشرق سوريا بناء على رغبة أطراف إقليمية بحجة أن الكرد من ضمن هذه المعارضة، وكل منظمات المجتمع المدني المعنية بتقديم الإغاثة الإنسانية امتنعت عن النشاط في شمال وشرق سوريا بناء على توجيهات صادرة من الجهات التي منحتها الرخصة، بينما جرى إلغاء رخص المنظمات التي حافظت على نشاطها في المنطقة، بحجة أنه لا يوجد ممثل سياسي لهذه المناطق، بينما بعضها نشطت في مناطق سيطرة النظام وبعضها الآخر نقلت كل أنشطتها إلى مناطق تواجد الجهاديين في أدلب والمناطق المحتلة من طرف الدولة التركية. وبالمختصر حرمان المنطقة من الإغاثة الإنسانية، وحرمانها من المشاركة في المساعي الجارية للحل السياسي السوري، رغم أن المنطقة تمثل أكثر من ربع مساحة سوريا وتضم ما يقارب ستة ملايين نسمة.

المسألة الأخرى ظهرت عند فتح المعابر الحدودية مع دول الجوار، حيث جعلت القوى المهيمنة موضوعاً سياسياً لخدمة مآربها والمساومة عليها، فقامت بإغلاق جميع المعابر مع مناطق الإدارة مع أنها كانت مفتوحة على مصراعيها عندما كانت المنطقة تحت سيطرة الجهاديين. و أبقت على معبر وحيد لخدمة الجاديين في أدلب.

أمام كل هذه الممارسات الظالمة التي لا تقبلها القوانين والأعراف الدولية ولا القيم الإنسانية تسعى الإدارة الذاتية الديموقراطية إلى الإعتراف بها دولياً كإدارة تمثل الشعب السوري في هذا الجزء، وكجزء من معارضة مشروعة لتتمكن الإدارة من المشاركة في مساعي الحل السياسي السوري، ومن التعامل مع المنظمات الإغاثية العالمية.

ثمة أمر آخر يتطلب الإعتراف الرسمي وهو موضوع داعش المنتمين إلى أكثر من أربعين دولة، سواء المقاتلين المجرمين الذين يجب محاكمتهم في محاكمات دولية، أو عائلاتهم وأبنائهم الذين يزيدون عن ستين ألفاً، فأغلب تلك الدول لا ترغب في التعامل مع الإدارة بذريعة أنه لم يتم الإعتراف بها، وتريد التعامل إما مع النظام المعترف به أو من خلال تركيا أو من خلال العراق، أما إذا كان هناك إعتراف فسيكون هناك تواصل مباشر لحل هذه المشكلة، فالإدارة هي التي حاربتهم وأسرتهم ودفعت دماء عشرات الآلاف من أبنائها ثمناً، ويجب أن تكون لها الكلمة في مصيرهم.