لكل السوريين

إضافة جديدة حول ما يسمى الحروب غير المتماثلة وتحديدا حروب الجيل الخامس “2”

كنا قد أشرنا في المقالة السابقة, كان من المعتاد في الماضي أن تتم الحروب التقليدية بمواجهة الجيوش لبعضها البعض، ولكن بدأت حروب أخرى وهي ممارسات قوى البعد الثالث, وهي السيطرة على العقل كـ” السيطرة في التعليم ووسائل الإعلام ” وهي التي تمثل أفضل ممارسات القوة كما قال “ستيفن لوكس” في كتابه بعنوان” القوة”، فلقد أصبح للحرب مفهوم آخر وهو مفهوم القوة وليست الحرب بالجيوش وهي كيفية ممارسة القوة بالقوة الفكرية، وهي التأثير في الوعي، وهنا ليس هناك وعي بمن هو العدو، فالعدو كان بالماضي واضحا، أما الآن فالعدو ليس ظاهرا يؤثر على المستهدفين ويجعلهم مزعزعي الثقة بأنفسهم وأوطانهم وذلك بالتدخل بما يسمى بالوعي الزائف.

إضافة الى ذلك, أن الدول بدأت تبتعد عن القيام بالحروب المباشرة, والإعلان عن الحرب, بل تقوم بحروبها مستعملة الوسائل التدميرية اقتصاديا ومعلوماتيا وبيئيا, دون أن تكون الدولة التي تقوم بحروبها واضحة أو لها أية صلة واضحة بهذه الحروب.

وعرضنا إلى ما سمي بحروب الجيل الرابع حيث تتم هذه الحروب في سبيل إخضاع الدول المستهدفة عن طريق جعلها دول فاشلة ومنهكة وضعيفة، تستجيب للضغوطات والتدخلات الخارجية وتكون أرضا صالحة للنفوذ والسيطرة، ونشير إلى نشوء جيل جديد من الحروب وسمي بالجيل الخامس من الحروب أو ما يسمى الجيل الرابع المتقدم.

يستخدم الجيل الخامس العنف المسلح عبر مجموعات عقائدية مسلحة وعصابات المخدرات وعصابات التهريب المنظمة والتنظيمات الصغيرة المدربة صاحبة الأدوار الممنهجة، حيث يستخدم فيها من تم تجنيدهم بالتكنولوجيا المتقدمة، والسبل الحديثة لحشد الدعم المعنوي والشعبي.

والاختلاف بينه وبين الجيل الرابع هو أن الجيل الرابع كان يعتمد على تقنيات حرب اللاعنف، لكن الجيل الخامس يستخدم العنف بشكل رئيسي معتمداً على التقنيات الحديثة ويُقصد بالتكنولوجيا المتقدمة الأسلحة المتطورة، والتي استخدمت ضمن تكتيكات حرب العصابات، مثل الصواريخ المضادة للدروع والطائرات المسيرة، والعمليات الانتحارية، ونصب الكمائن، والأعمال الإرهابية ومهاجمة مدنيين أو هجمات انتحارية من أجل تحقق الأهداف باستنزاف وإرهاق الجيوش وإرغامها على الانسحاب من مواقع معينه.

هذا الجيل الجديد من الحروب يتم فيه استخدام عمليات مركبة تتحالف فيها تقنيات حرب اللاعنف والميليشيات المسلحة والاختراق السياسي وأنماط من العنف المجتمعي. والجزء الجديد في حروب الجيل الخامس هو صناعة تكتلات صراعية على سبيل المثال صناعة حروب داخلية سياسية واقتصادية اجتماعية من داخل الدولة المستهدفة، واستنزاف هذه الدولة التي تعاني من صراعات داخلية بمواجهة تهديدات خارجية عنيفة.

إن الحروب التي تدور في البلدان المستهدفة هي صناعة محكمة بتخطيط فائق الذكاء، وبأدوات في منتهى الخطورة، بدءا بصناعة وانتشار ظاهرة الإرهاب المرعبة فيما بين الواقع والعالم الافتراضي، وقوائمها وتشريعاتها الخطيرة، وأدواتها المحصورة في الدين والإعلام والتكنولوجيا، وانتهاء بقائمة الدويلات الفاشلة المفتتة الجاهزة لإلغاء سيادتها وتسليم إرادتها الكاملة إلى الخارج.

وما كانت تلك الحروب لتنجح دون الإعلام الذكي ووسائله التكنولوجية… لقد نجح ذلك الإعلام في التلاعب بالقلوب والعقول، في حرب نفسية خطيرة عبر كل وسائل التكنولوجيا التقليدية والحديثة، في تحويل الفرد إلى أداة من أدوات نجاح تلك الحرب ضد نفسه.

لقد كانت داعش واحدا من أخطر تجليات هذا الفكر المنحرف، ومع انهيار دولتها في سورية والعراق، أصبح في حكم المؤكد أن هذا الفكر الذي ولد من رحم الجيل الرابع من الحروب والجيل الخامس، قد أوشك على الانتهاء……فقد تمت صناعة داعش كعدو فريد ومميز ونادر بوحشيتهم وإرهابهم، فقد تزامن مع بناء وشيطنة العدو, حتى تستطيع الدول الاستعمارية من اختراق الدول التي تخطط للاستيلاء عليها بالاستنزاف العسكري والأمني, خاصة وأن محاربه هكذا تنظيمات أو جماعات منظمة ليس لها قوام رئيسي أشبه بالدخول في حرب أشباح، مما يؤدي إلى تحقيق المطلوب حيث تتم صناعة حرب استنزاف لطاقات الدولة المستهدفة، وتشتيت قواها في أنماط من الحروب الصغيرة والمتوسطة داخليا وخارجيا.

وقد تم استبدال شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان، بحقوق الأقليات وشعارات الفتنة الطائفية، والترويج لشخصيات سياسية ذات طابع طائفي، بالإضافة إلى العمل على انضاج تجارب الميليشيات كما يحدث في ليبيا مثلا، والاعتماد على العائلات والقبائل في انشاء حالة صراع داخلية تارة بينها وبين بعضها وتارة بينها وبين الدولة اذا لم تنهار، بالتزامن مع نشر أنماط من حروب اللاعنف بالتتابع بهدف بعثرة وتشتيت جهود وقوى الدولة، وفى الوقت نفسه البدء في تشكيل ميليشيات منظمة تستهدف تحويل النمط السلمى في المظاهرات الى نمط عنيف، وبالتزامن مع المظاهرات والاعتصامات في العاصمة أو في المدن الكبرى.

إن أسباب استمرار هذه الحروب، من أجل اختراقها للدولة الوطنية تحت عناوين أيديولوجية ودينية وغيرها، وهذا يعود إلى تعدد الفاعلين وتضارب مصالحهم، بالإضافة إلى انعكاسات الاضطرابات الداخلية لهذه الدول على جوارها المباشر، وتنامي قدرات الفواعل المسلحة من دون الدول، وهو الأمر الذي يفرض تهديدا على الجيوش الوطنية في الدول التي تحتضن هذه الميليشيات.

وتصاعد الصراع بين الدول في بعض مجالات الحروب، مثل السيبرانية والمعلوماتية والأسلحة ذاتية التشغيل، ويتضح ذلك من تواصل اصدار التصريحات من قادة «حلف الناتو» والجيش الأميركي ونظرائهم في روسيا والصين، عن معارك سيبرانية لا تتوقف عبر الإنترنت، وتديرها مراكز قيادة باتت مستقلة بجيوشها، خصوصاً في الولايات المتحدة وروسيا والصين. ولكن الحروب السيبرانية التي لم يتوقف الحديث عنها منذ مطلع الألفية الميلادية الثالثة، ليست سوى جزءا من: حروب الجيل الخامس.

يتبع…………..

انعام إبراهيم نيوف