تمرّ سوريا بمرحلة سياسية دقيقة تتطلب من جميع الأطراف الفاعلة تجاوز الحسابات الآنية والأنانية، والانخراط الجاد في صياغة مشروع وطني شامل يستند إلى التمثيل الحقيقي لمختلف مكوّنات الشعب السوري، والاعتراف المتبادل بين هذه المكوّنات.
فالمفاوضات السياسية الجارية رغم أهميتها، لا تزال تسير بوتيرة بطيئة لا تتناسب مع تعقيدات المرحلة، ولا مع ضرورة الإسراع في تجاوزها، مما يهدد بتضييع فرص حقيقية وضرورية لبناء المستقبل السوري الديمقراطي، من خلال انتخاب هيئة تشريعية تمثل كافة أطياف الشعب السوري، وتشكيل حكومة وطنية تعالج جذور الأزمة في سوريا، لا مجرد نتائجها.
إن الدعوة إلى تسريع المحادثات بين الأطراف السورية، لا تنبع فقط من الحاجة إلى حلول، بل من إدراك عميق بأن أي تأخير هو خدمة مقصودة أو غير مقصودة للفوضى، وتكريس متعمّد أو غير متعمّد، لحالة الجمود السياسي القائمة.
وفي الوقت ذاته، تبرز مناطق شمال وشرق البلاد، وتحديداً مدينة الرقة، كنماذج حيوية لبدائل ديمقراطية تسعى إلى تجاوز الدولة المركزية القمعية، وتفتح أفقاً لمفهوم جديد من الحكم المحلي المستند إلى التشاركية والتمثيل.
وفي ميدان التعليم، تبرز جهود حثيثة لبلورة نموذج معرفي بديل عن النمط الجامد الذي رسّخته الأنظمة الشمولية لعقود. نموذج يسعى لخلق وعي تحرري جديد يواكب تطلعات الشعوب في المساواة والعدالة.
إن سوريا التي نأمل بها لا تُبنى عبر التهميش أو الإقصاء، بل من خلال عقد اجتماعي جديد يُنهي الاستبداد، ويضمن للجميع حقهم في صنع القرار.
فالدبلوماسية النشطة، والتعليم التحرري، والحوار الوطني الجريء، هي مفاتيح الطريق نحو سوريا التي تحتضن كل أبنائها دون تهميش أو تمييز على أي أساس.