لكل السوريين

في دوامة الاحتيال العقاري.. مواطنون في حمص يفقدون منازلهم

حمص/ بسام الحمد

تحول حلم امتلاك منزل في مدينة حمص وسط سوريا إلى كابوس يومي للعديد من المواطنين. في ظل الفوضى العقارية التي تعيشها المدينة، أصبحت عمليات النصب والاحتيال العقاري تجارة رائجة، يدفع ثمنها المواطنون البسطاء الذين يحلمون بامتلاك سقف يؤويهم. أبو محمد، موظف في الخمسينيات من عمره، يروي كيف خسر كل مدخراته بعد أن اشترى شقة في حي الوعر تبين أنها مسجلة باسم شخص آخر. “دفعت 150 مليون ليرة ثمناً للشقة، وبعد شهرين اكتشفت أن البائع ليس المالك الحقيقي”، يقول الرجل بحسرة وهو ينتظر منذ عامين حكماً قضائياً قد لا يأتي أبداً.

هذه القصة ليست الوحيدة في حمص، فبحسب مصادر قضائية، تم تسجيل أكثر من 8000 حالة تزوير عقاري في المحافظة خلال السنوات الثلاث الماضية. المشكلة تتفاقم في الأحياء التي تعرضت للنزاعات المسلحة، حيث اختفت العديد من السجلات العقارية، أو تم التلاعب بها لخدمة مصالح بعض الأشخاص. في حي الحولة، على سبيل المثال، تحولت عشرات المنازل المهجورة إلى ساحة لعمليات بيع وهمية، حيث يبيع السماسرة نفس العقار عدة مرات لمشترين مختلفين.

أم علي، أرملة في الستينيات من عمرها، تعيش مأساة مختلفة. فقد ورثت منزلاً عن زوجها في حي بابا عمرو، لكنها تفاجأت بقدوم شخص يحمل سند ملكية مزوراً للمنزل. “عشت في هذا المنزل منذ زفافي عام 1985، واليوم يريدون إخراجي منه بقوة القانون”، تقول السيدة بينما تظهر وثائق تثبت ملكيتها للمنزل تعود إلى عشرات السنين. المشكلة أن هذه الوثائق لم تكن مسجلة في السجل العقاري، وهو ما يستغله المحتالون لتنفيذ عملياتهم.

وتنتشر في أحياء حمص القديمة، ظاهرة “العقود البرانية” بشكل كبير. هذه العقود التي توقع بين البائع والمشتري دون توثيق رسمي، أصبحت بوابة واسعة للنصب والاحتيال. المهندس خالد، الذي اشترى شقة في حي جورة الشياح بعقد براني، يروي كيف خسر 200 مليون ليرة: “بعد ستة أشهر من الشراء، اكتشفت أن هناك ثلاثة أشخاص آخرين يدعون ملكية الشقة نفسها، كل منهم يحمل عقداً مختلفاً”.

ويزيد الوضع القانوني المعقد في حمص من تعقيد المشكلة. فالمدينة تعتمد على عدة سجلات عقارية مختلفة، بعضها يعود إلى ما قبل الحرب، والبعض الآخر تم إنشاؤه خلال السنوات الماضية. هذا التعدد في المرجعيات خلق فجوات قانونية يستغلها المحتالون. المحامي وائل الحسيني يشرح: “هناك عقود مسجلة في دوائر مختلفة، وأحياناً تتعارض مع بعضها البعض، مما يجعل إثبات الملكية مهمة شبه مستحيلة”.

وتختلف طبيعة المشكلة في ريف حمص الشمالي، ولكن النتيجة واحدة. فالكثير من الأراضي الزراعية تم الاستيلاء عليها باستخدام وثائق مزورة. أبو أحمد، مزارع من قرية الحواش، فقد أرضه التي ورثها عن أبيه بعد أن قدم شخص من مدينة أخرى وثائق تثبت ملكيته للأرض. “عائلتنا تعمل في هذه الأرض منذ أكثر من مئة عام، واليوم يأتي من لا يعرف حتى مكانها ويقول إنها ملكه”، يقول المزارع الغاضب.

أما في الأحياء الراقية من المدينة، مثل شارع القوتلي والضيعة، فالمشكلة تأخذ شكلاً آخر. فهنا تنتشر عمليات بيع العقارات المصادرة، والتي كانت تعود لأشخاص غادروا البلاد أو اعتقلوا. العديد من هذه العقارات بيعت عدة مرات، مما خلق نزاعات معقدة بين المشترين والمالكين الأصليين الذين بدأ بعضهم بالعودة إلى المدينة.

تشرح المحامية سمر الدالاتي، المتخصصة في القضايا العقارية، حجم الكارثة: “لدينا حالات لعقارات بيعت خمس مرات لأشخاص مختلفين، كل منهم يحمل وثائق تبدو قانونية. المشكلة أن القضاء يحتاج إلى سنوات لحل هذه النزاعات، وخلال هذه الفترة يظل الضحايا في حالة من عدم اليقين”.

وتحاول السلطات المحلية في حمص معالجة المشكلة، ولكن بخطوات بطيئة. فقد بدأت مؤخراً بمشروع لتوحيد السجلات العقارية، لكن العملية تواجه عقبات كبيرة. المهندس بشار المحمود، المسؤول عن المشروع، يوضح: “نحاول رقمنة السجلات القديمة وتدقيقها، لكننا نعاني من اختفاء العديد من الوثائق الأصلية، ومن تعدد النسخ المزورة”.

في الأثناء، يدفع المواطنون الثمن. فاطمة، وهي معلمة في الثلاثينيات من عمرها، تقول: “اشتريت شقة صغيرة بكل ما أملك، وبعد عام اكتشفت أن البائع ليس المالك، وأن هناك حكماً قضائياً بإخلاء العقار. اليوم أنا بلا منزل وبلا مال”.

ويحذر الخبير الاقتصادي الدكتور نزار الحكيم من تداعيات هذه الأزمة: “الفوضى العقارية تقوض الاقتصاد المحلي، وتقتل ثقة المستثمرين، وتزيد من معاناة المواطنين. نحتاج إلى حلول جذرية وسريعة قبل أن تتحول المدينة إلى ساحة للفوضى والعنف”.

- Advertisement -

- Advertisement -