طرطوس/ اـ ن
رست في مرفأ طرطوس باخرة تحمل 40 ألف طن من زيت النخيل الخام، في خطوة وُصفت رسمياً بأنها تعكس تعافي النشاط التجاري والقدرة الاستيعابية للمرافئ السورية، إلا أن مراقبين حذروا من أن تسويق مثل هذه الشحنات باعتبارها مؤشراً على الانتعاش الاقتصادي قد يخفي في طياته تهديداً حقيقياً لصحة المواطنين، في ظل غياب الضوابط الرقابية والشفافية المتعلقة باستخدام هذا الزيت واسع الجدل.
وذكرت الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية أن الباخرة، القادمة من ماليزيا وإندونيسيا، تعد الأكبر حجماً منذ إعادة تفعيل مرفأ طرطوس بعد سقوط النظام، وقد جرى تفريغ 23 ألف طن منها في طرطوس، على أن تستكمل تفريغ الـ17 ألف طن المتبقية في ميناء إزميت التركي. وتم توزيع حمولة الباخرة على شركات تجارية مرخصة في محافظتي حماة وحمص، بموجب عقود استيراد مصدّقة من وزارة الاقتصاد والصناعة.
وأشار البيان الرسمي إلى أن عمليات التفريغ تمت بسلاسة بفضل التسهيلات المقدمة في المرفأ، من تبسيط إجراءات التخليص والمعاينة، إلى تجهيز الأرصفة ومعدات المناولة، إضافة إلى تنسيق العمل بين الجهات المعنية وتأمين كوادر فنية تعمل على مدار الساعة.
في المقابل، حذرت مصادر غذائية وطبية من أن إدخال كميات كبيرة من زيت النخيل إلى السوق دون رقابة صارمة، يمثل تهديداً صحياً بالغ الخطورة، خاصة وأن هذا الزيت يُستخدم على نطاق واسع في الصناعات الغذائية بسبب تكلفته المنخفضة، لكنه يحتوي على نسبة مرتفعة من الدهون المشبعة، ويُتهم برفع مستويات الكوليسترول الضار، وزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب، واضطرابات الكبد والتمثيل الغذائي، فضلاً عن صلته المحتملة بمواد مسرطنة تُنتج أثناء تكريره في درجات حرارة عالية.
وتشير تقديرات منظمة الأغذية والزراعة (FAO) إلى أن متوسط استهلاك الزيوت النباتية في سوريا يتراوح بين 100 و130 ألف طن سنوياً، ما يجعل الشحنة الحالية تشكل ما يقارب 30–40% من إجمالي الاستهلاك السنوي، وهو ما يرفع مستوى القلق من استخدامه المفرط أو الغش به في المنتجات المحلية.
وتُعد سهولة تكرير زيت النخيل وخلطه مع زيوت نباتية أخرى دون كشف واضح، أحد الأسباب الرئيسية في استغلاله لأغراض تجارية غير مشروعة، خاصة في ظل ضعف الرقابة الغذائية في السوق السورية، كما أن الفارق السعري بينه وبين الزيوت الأخرى، والذي يصل إلى 500 دولار للطن، يجعله خياراً مغرياً للتجار، رغم مخاطره الصحية المؤكدة.
وفي وقت تسعى فيه الحكومة إلى تعزيز بنية المرافئ البحرية، مثل الاتفاقية الأخيرة مع شركة CMA CGM الفرنسية لتشغيل محطة الحاويات في مرفأ اللاذقية، فإن خبراء يرون أن السياسات الاقتصادية يجب ألا تغفل البُعد الصحي في قرارات الاستيراد، خاصة عندما يتعلق الأمر بمنتجات غذائية أساسية تمس حياة المواطنين.