لكل السوريين

باحث سياسي: “الأنظمة الشمولية سبب تفكك الشرق الأوسط، والنظام القومي سيؤول للزوال”

حاوره/ مجد محمد

اعتبر الباحث السياسي عبادي السودان، أن سبب الانتكاسات المجتمعية بشكل عام في دول الشرق الأوسط، يعود للنظام الفاشل الذي تتخذه الأنظمة الشمولية التي بنت دويلاتها على رفات المجتمعات المتفككة، لافتا إلى أن النظام القومي المترسخ في منطقة الشرق الأوسط سيؤول إلى النهاية في القريب العاجل.

في ظل الدولة القومية والأنظمة الشمولية تغيب الديمقراطيات والحريات والنزاهة ويصبح واقع التعددية بتحليلاته المختلفة صعب، ولا يمكنها تحقيق اندماج فعال لها نتيجة الاقصاء والحكم المركزي من قبل هذه الانظمة الشمولية، ولا يتحقق مفهوم التنوع الثقافي والسياسي إلا في ضل نظم ترتكز في بناء شرعيتها على أسس المواطنة والديمقراطية.

وبهذا الخصوص عقدت صحيفتنا حواراً مطولاً مع الحقوقي والباحث في الشأن السياسي الأستاذ عبادي السودان، ودار الحوار التالي:

*أستاذ عبادي مرحباً بك بداية، الدول القومية والأنظمة الشمولية بشكل عام، تقييمك ما هو؟

أهلاً بك، واقعياً لم تحقق الأنظمة الشمولية أي تقدم نحو بناء البلدان كما نشهد في الدول المتقدمة، معظم الأنظمة الشمولية حاولت أن تحافظ على كرسي العرش لأطول فترة ممكنة على حساب شعوبها وعلى حساب الاقتصاد والوضع النفسي العام لتلك الشعوب، لم تحقق هذه الأنظمة حتى هذه اللحظة لا جيش قوي ولا اقتصاد مستقر ولا مستقل وغالباً نرى أن هناك إعلام للأنظمة الشمولية يحاول أن يشيد بها ويظهرها بصورة البطل أو الفاتح ولكنها على أرض الواقع لم تحقق شيئاً للأمة العربية من باب قومي وللأمة الاسلامية من باب ديني ولا لشعوبها من باب الجانب المعيشي وتحقيق ما تصبو إليه تلك الشعوب، قد يكون هناك فائدة ولكنها غير منظورة لتلك الأنظمة وهي استتباب الأمن ولكنها حرفياً تأتي على حساب حقوق المواطنة في تلك الأنظمة، أي إنه نعم هناك أمن مستتب في أماكن الأنظمة الشمولية ولكنه يبنى على جماجم أبناء الوطن وحتى لو كان جميع الشعب على رأي سياسي أو أيديولوجي مختلف عن تلك القيادة فهو بالتأكيد لا يهم مازال كرسي الحكم تحت طائلة هذا الحاكم، وبالتالي وصلنا إلى مرحلة لا تستطيع تلك الدول التخطيط للمستقبل بتخطيط استراتيجي واضح لمدة عشر سنوات على أقل تقدير ونرى إن النافذ في تلك الدول هي المخططات الغربية ومخططات الولايات المتحدة الأمريكية واعوانها، وكل ما يخطط له المواطن هو ليس بتلك الأهمية وحتى هناك تراجع واضح في موضوع العلم والدراسة والجامعات والابتكار والافتقار إلى التخطيط وما إلى ذلك.

*ماذا قدمت الدولة القومية والأنظمة الشمولية لشعوب هذه المنطقة /منطقة الشرق الأوسط/إلى هذه اللحظة؟

أولاً هي لم تقدم شيء لشعوبها تقدم فقط لمصالح الحاكم أو سلطة الفرد الحاكم في هذه الدولة القومية أو الأنظمة الشمولية، هذه الأنظمة الشمولية هي عبارة عن أنظمة عبودية وليس لها علاقة بالشمولية وليس لها علاقة بالقومية وليس لها علاقة بحقوق الأفراد ولا حريات الآخر، فهي تعتبر إن الفرد هو عبارة عن لعبة بين أيدي الحاكم ومجموعة من المستشارين ومجموعة من العسكريين الذين ينتمون اصلاً إلى الفرد الحاكم، تحت اطار الدولة القومية والأنظمة الشمولية يعتبرون أن الفرد هو لعبة تنتمي لهذا الحاكم  ويتم تسييسه من أجل مصالح هذا الحكم أو سلطة الحكم الواحد، أن وجود الأنظمة الشمولية لأنه كان يوجد غياب في وعي المواطنين بالتحديد في هذه الأنظمة الشمولية التي تعتبر إن الفرد يجب أن يغير فكره ويغير وعيه من أجل الحفاظ على أيديولوجية معينة بعيداً عن أفكار الأحزاب والتعددية والرؤية الفكرية وبعيداً عن اي نوع له علاقة بالتقدم والتطور الفكري، الأنظمة الشمولية لها علاقة بنوع واحد فقط وهي إتباع سلطة حكم الحاكم الواحد وهذا الحاكم الواحد فقط يتماشى مع مصالحه الشخصية والذاتية وبالتأكيد أن تلك الأنظمة لها علاقة بالعوامل الخارجية والعامل الخارجي هو الذي يحافظ على هذه الأنظمة الشمولية، وكشرق أوسط على وجه الخصوص العلاقة بين الفرد والحاكم هي علاقة عبودية لم تتطور أبداً إلى حالة من التحرر للحفاظ على مصلحة الفرد وحريته وحقوقه، الأنظمة الشمولية لم تعطي أي نوع من التنمية الشاملة بل على العكس أصبحت شعوبها في حالة من الهذيان وحالة من غياب الوعي وحالة من عدم القدرة على التطور والفاعلية.

*برأيك إلى أي درجة تساهم الدولة القومية بإيجاد صراعات على أرضية الهويات المتعددة في الوطن الواحد أو الدولة الواحدة؟

طبعاً الدولة القومية هي أحد أدوات الهيمنة والرأسمالية العالمية لتقسيم المنطقة وفرض الهيمنة ونهب ثروات وشعوب المنطقة، الدولة القومية هي الشكل المكثف لتحول السلطة التي من أهم مميزاتها الاحتكار والنمطية لكون الأنظمة الشمولية تحتاج إلى أمة قومية وهذه الأمة هي أيضاً اصطناعية من مستلزمات الدولة التي لا تأخذ رأي الشعوب والمجتمعات بعين الاعتبار، تحاول الاعتماد على اثنية وقومية واحدة والقضاء على الاثنيات والقوميات الأخرى لكن حتى القومية الواحدة التي تختارها السلطة الحاكمة هي ايضاً تحاول استبدادها واستعمارها وتغيير افكارها على غير الشكل الحقيقي، فدائماً ما نرى أن الدولة القومية تحاول من خلال عناصرها خلق الفتنة بين القوميات الموجودة بها كي يبقى شعبها منشغلين بمشاكل واهية وتغييب عقولها عن الحريات وضرورة تغيير النظام وبقاء الحاكم لأطول فترة ممكنة في سلطته.

*الدولة القومية والأنظمة الشمولية ظهرت بعد سقوط الدولة العثمانية بشكل سريع، هل وصلنا إلى انحدار في مفهوم الدولة القومية والشمولية في المنطقة ام ماذا؟

اليوم نحن كدول عربية في الشرق الأوسط لا زلنا نسمى بالدول النامية ونحن في قاع الأمم اليوم للأسف من كل الجوانب، ولا أتحدث عن جانب واحد قد يكون فكري أو اقتصادي أو عسكري أو غيره وانما من كل الجوانب، فنحن أمم ودول مستهلكة ولا تنتج ولم نكن يوماً منتجين من عصور، الإشكالية في الاساس التي تأسست به شعوب المنطقة وتمسكت بقضية قوميتها فمعظم الشعوب اليوم هنا تعيش تاريخها ولا تعيش مستقبلها للأسف وحتى حاضرها سيئ ومرير، وبناء على ما ذكرته للأسف سينتج لنا شعوب مأزومة ولديها مشاكل وفوبيا وأمراض نفسية متنوعة وبالتالي بماذا نبني الاوطان؟ بأنفس مريضة؟ بمشاكل ومعترك طائفي واثني وقومي بين تلك الشعوب؟ فبناء الاوطان يحتاج إلى تكامل بين الفكري وبين المسميات وإن تعددت وإن تنوعت على المستوى القومي والأصولي والمذهبي حتى، نحن كشعوب لا نمتلك هذه الخاصية اليوم في الشرق الأوسط، فدائما ما يعود شعوب المنطقة إلى امجاد التاريخ دوماً، اليوم نحن في انحدار ولم يبقى بيننا وبين حضيض الأمم إلا مسافة قليلة للأسف، وبهذا الشيء يؤسفني أن اقول إن مفهوم الدولة القومية والأنظمة الشمولية لدينا كشعوب في الشرق الأوسط ليس في انحدار ابداً ولم يستهلك حتى الآن لأن السلطة مازالت مقنعة أغلبية الشعوب به.

*بين الفينة والأخرى يظهر إلى السطح وتطفوا صراعات على أرضية الهويات، برأيك هل هذا الأمر هو نتيجة طبيعية لأشكاليات الدولة القومية؟

طبعاً هي عبارة عن أكثر من نتيجة وليس فقط نتيجة الأنظمة الشمولية فهناك عوامل داخلية وخارجية، فمن العوامل الخارجية فأن الدول العظمى معنية بجعل شعوب المنطقة شعوب راكعة وخانعة وتشعر في حالة من الترهيب والتخويف من نظام سلطة الحاكم ونظام الفرد والحزب الواحد، ناهيك إن هذه الدول العظمى لها علاقة أيضاً مع سلطة الفرد الحاكم والحزب الواحد فهي تريد أن ترسخ الدولة القومية حتى تجعل هذه الشعوب خانعة وكذلك الدولة ضعيفة وترتهن ثرواتها الطبيعية للدول العظمى، وأيضاً العامل الداخلي أو الذاتي بسبب استخدام القوة والتسلط جعلت هذه الشعوب تشعر بنوعاً ما من القلق والرهبة وحالة من عدم قدرتها على تصديق قدرتها وموهبتها في التحرر ناهيك عن تركيز الدولة على تفريق الشعب من خلال خلق الفتنة بين القوميات.

*ختاماً، في نفس الموضوع كلمة أخيرة لك تحب أن تضيفها، المجال مفتوح لك..

نحن بحاجة ماسة إلى إحياء التعددية في الشرق الأوسط ولا بد من تجاوز الفكر القومي والمنظومة القومية الأحادية حتى نكون قادرين على إحياء قيمنا المجتمعية وإحياء الثقافات المختلفة التي هي غنى للمنطقة.